للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - يقول التفتازاني:

ضمن كلام معقد طويل عن مسألة " النطق بالشهادة وحكمها ":

" إن هاهنا مطلبين:

الأول: أن الإقرار ليس جزءاً من الإيمان.

والثاني: أنه (أي الإيمان) التصديق لا غير. أما الأول فلدلالة النصوص على أن محل الإيمان هو القلب (١) فلا يكون الإقرار الذي هو فعل اللسان داخلاً فيه.

أما الثاني وهو أنه التصديق، لا سائر ما في القلب من المعرفة والقدرة والعفة والشجاعة ... ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍فلوجوه: الأول: اتفاق الفريقين (٢) على أنه ليس سوى التصديق. الثاني: أن الإيمان في اللغة التصديق ولم يعين في الشرع لمعنى آخر (٣).الثالث: أن النقل خلاف الأصل؛ فلا يصار إليه بلا دليل " (٤).والتفتازاني يقول هذا ترجحياً للقول بأن النطق إنما هو شرط لإجراء الأحكام الظاهرة الدنيوية، وليس جزءاً من الإيمان ولا شطراً له - كما كان عليه مذهب الحنفية - ويستدل لذلك بحديث: ((يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان)) (٥) ,، وهو من النصوص التي أساءوا فهمها، واستدلوا بها في غير موضعها، وأخذوا ببعض مدلولاتها وتركوا البعض الآخر .. على ما سيأتي تفصيله (٦) .. وهو ينقل عن شرح المواقف " أن السجود للصنم بالاختيار يدل بظاهرة على أنه ليس بمصدق، ونحن نحكم بالظاهر؛ فلذلك حكمنا بعدم إيمانه، حتى لو علم أنه لم يسجد له على سبيل التعظيم واعتقاد الألوهية، بل سجد له وقلبه مطمئن بالإيمان .. لم يحكم بكفره فيما بينه وبين الله تعالى وإن أجرى عليه حكم الكافر في الظاهر " (٧).

٣ - وقال السنوسي:

" وأما الكافر فذكره لهذه الكلمة - أي كلمة الشهادة - واجب شرط في صحة إيمانه القلبي مع القدرة، وإن عجز عنها بعد حصول إيمانه القلبي لمفاجأة الموت ونحو ذلك سقط عنه الوجوب، وكان مؤمنا. هذا هو المشهور من مذاهب علماء أهل السنة (٨).

وقيل: لا يصح الإيمان بدونها مطلقاً، ولا فرق بين المختار والعاجز، وقيل: يصح الإيمان بدونها مطلقا , وإن كان التارك لها اختياراً عاصياً، كما في حق المؤمن إذا نطق بها ولم ينو الوجوب ‍‍‍.

ومنشأ هذه الأقوال الثلاثة: الخلاف في هذه الكلمة؛ هل هي شرط في صحة الإيمان، أو جزء منه، أو ليست بشرط فيه ولا جزء منه. والأول هو المختار ".

وهنا قال شارح كلامه " الدسوقي ": " حاصل ما ذكره الشارح أن الأقوال فيه ثلاثة:

فقيل: إن النطق بالشهادتين شرط في صحته خارج عن ماهيته.

وقيل: إنه شطر أي جزء من حقيقة الإيمان , فالإيمان مجموع التصديق القلبي والنطق بالشهادتين.

وقيل: ليس شرطا في صحته ولا جزءاً من مفهومه، بل هو شرط لإجراء الأحكام الدنيوية، وهو المعتمد ‍!


(١) انظر: فصل حقيقة عمل القلب الآتي، فهذه الدلالة عليهم لا لهم، فضلا عن النصوص الدالة على أن العمل من الإيمان ‍.
(٢) يعني الفريقين المختلفين من الأشاعرة والماتريدية في النطق أهو شرط أم شطر؟ كما سيأتي في النقول اللاحقة، وبهذا يظهر ما في عبارته من خلل، فإنهما لو اتفقا ما كان خلاف.
(٣) هذا الوجه والذي بعده مما يستدل به المرجئة ويرددونه دائما، وهو من أكبر أخطائهم في الاستدلال، وقد أفاض شيخ الإسلام في بيان ذلك، راجع ((الإيمان))، (ص ١١٠، ١١٦)
(٤) ((شرح النسفية))، (ص ٤٨)
(٥) رواه الترمذي (٢٥٩٣) , من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه, وقال حديث حسن صحيح, وصححه الألباني, وقال في ((السلسلة)) (٢٤٥٠): صحيح على شرط الشيخين.
(٦) ضمن مناقشة الشبهات النقلية.
(٧) (ص ٤٢)، وانظر: ((المواقف))، (ص٣٨٧)، وهو مما كرروه في حواشيهم، راجع موضوع علاقة الظاهر بالباطن الآتي لترى سقوط هذه الافتراضات وتهافتها.
(٨) يعني الأشعرية والماتريدية.

<<  <  ج: ص:  >  >>