للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو أبو عمرو شبابة بن سوار الفزاري مولاهم المدائني، المتوفى سنة ٢٠٦هـ، وقيل غير ذلك.

وصفه الذهبي بأنه من كبار الأئمة، إلا أنه مرجئ، وأنه صدوق، مكثر، صاحب حديث، فيه بدعة.

وقالوا الإمام أحمد: تركته للإرجاء، ولما سئل عنه قال: شبابة كان يدعو إلى الإرجاء.

قال: وحكى عن شبابة قول أخبث من هذه الأقاويل، ما سمعت أحدا عن مثله.

قال: قال شبابة: إذا قال، فقد عمل بجارحته، أي بلسانه، فقد عمل بلسانه حين تكلم. ثم قال أبو عبدالله: هذا قول خبيث، ما سمعت أحدا يقول به، ولا بلغني (١).وبالانتهاء من التعريف بشبابة ينتهي ما تم الوقوف عليه من الأسماء التي ذكرها شيخ الإسلام ممن دخل ضمن رجال مرجئة الفقهاء، وقبل ختم ذلك، فمما ينبه عليه أن للحافظ الذهبي رحمه الله كلمة قالها حول بعض من ذكر خبره ههنا، وغيرهم، ممن رمي بالإرجاء من الفقهاء، فإنه بعد أن سمى جماعة منهم قال: "الإرجاء مذهب لعدة من جلة العلماء، لا ينبغي التحامل على قائله" (٢).وقد استروح بعضهم هذه الكلمة، فدفع بها كون إرجاء الفقهاء من الإرجاء المذموم، وحصر الذم في إرجاء من يقول إن الإيمان هو المعرفة (٣).

ولا ريب أن كلمة الذهبي لا تدل على هذه الدعوى البتة، خاصة أنها جاءت في سيرة مسعر بن كدام، وقول بعضهم إنه مرجئ، مع جماعة ممن وقع في الإرجاء من الفقهاء.

فهنا علق الذهبي بتلك المقولة، وغاية ما فيها النهي عن التحامل على من وقع في الإرجاء من الفقهاء، وهذا حق، لكن التحذير من مقالتهم واجب شرعا، وهو ما صنعه الأئمة، وصنعه الذهبي نفسه،، فقد رأينا في السير السابقة وصفه لهم بالإرجاء، والله أعلم.

وبعد الوقوف على شيء من سيرة رجال فقهاء المرجئة، يبقى النظر في مجمل معتقدهم رحمهم الله. وقد صرح شيخ الإسلام كما سبق النقل عنه بأن أبا حنيفة على طريق السلف في التوحيد والقدر (٤)، وأن المأخذ عليه الثابت عنه هو في مسألة الإيمان (٥).والناظر في معتقد أبي حنيفة يجد هذه الحقيقة ظاهرة، فإن مجمل معتقده رحمه الله يتلخص فيما يلي (٦):

١ - العناية بأنواع التوحيد كلها، وخاصة توحيد الألوهية، وسد ذرائع الشرك.

٢ - إثبات الأسماء والصفات، إثباتا يليق بالله تعالى.

٣ - إثبات الرؤية، مع الإقرار بالعلو.

٤ - الإيمان بالقدر بمراتبه الأربع: العلم، والكتابة، والمشيئة، والخلق.

٥ - أن الإيمان مجرد تصديق القلب، وقول اللسان، وأنه لا يزيد ولا ينقص، وأن مرتكب الكبيرة مؤمن كامل الإيمان. هذا هو مجمل معتقد أبي حنيفة، وهو - بحمد الله - موافق لما عليه أهل السنة عدا باب الإيمان، ومما يلزم ذكره أن هذا المعتقد لأبي حنيفة ليس هو الذي عليه المنتسبون إلى مذهبه في العصور المتأخرة، بل غلب على كثير منهم الابتداع، وصار جلهم على المعتقد الماتريدي، إلا من تمسك منهم بالأثر، واتبع الحديث، وهدي إلى السنة (٧).

المصدر:آراء المرجئة في مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية لعبدالله محمد السند - ص ١٢٣


(١) نقله شيخ الإسلام في: ((الإيمان)) (ص٢٤١ - ٢٤٢) ((الفتاوى)) (٧/ ٢٥٥)، وهو في ((السنة)) للخلال (٣/ ٥٧١ - ٥٧٢) (رقم ٩٨٢).
(٢) ((ميزان الاعتدال)) (٤/ ٩).
(٣) انظر تعليق محققي الجزء السابع من ((سير أعلام النبلاء)) (٧/ ١٦٥ - ١٦٦).
(٤) انظر: ((الفتاوى)) (٥/ ٢٥٦).
(٥) انظر: ((الفتاوى)) (٢٠/ ١٨٦)، (٣/ ١٨٥).
(٦) راجع تفاصيل ذلك في كتاب: ((أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة))، (ص٢٠٣ - ٥٦٩).
(٧) يراجع في ذلك: ((أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة))، (ص٥٤٧٥ - ٦٣٨)؛ و ((الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات)) (١/ ١٩٥ - ٢٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>