للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختلفوا فيه، بعد أن لم يختلفوا في ترك العناد شرطا، وهو أن يعتقد أنه متى طولب بالإقرار أتى به، فأما قبل أن يطالب به:

منهم من قال: لابد من الإتيان به - يعني الإقرار باللسان - حتى يكون مؤمنا، وهذا القائل يقول: التصديق هو المعرفة والإقرار جميعا. وهذا قول الحسين بن الفضل البجلي، وهو مذهب أبي حنيفة، وأصحابه، وبقريب من هذا كان يقول الإمام أبو محمد عبدالله بن سعيد القطان من متقدمي أصحابنا" (١).ويقول شيخ الإسلام: "وابن كلاب نفسه، والحسين بن الفضل البجلي، ونحوهما، كانوا يقولون: هو التصديق، والقول جميعا، موافقة لمن قاله من فقهاء الكوفيين، كحماد بن أبي سليمان، ومن اتبعه، مثل أبي حنيفة، وغيره" (٢).

القول الثالث: وافقوا فيه الجهمية في أن الإيمان مجرد تصديق القلب.

وهذا هو أشهر أقوال شيخهم أبي الحسن الأشعري، وعليه أكثر أصحابه، كالقاضي أبي بكر الباقلاني، وأبي المعالي الجويني، وبه قال الماتريدي.

وقد لوحظ أثناء شرح مذهب الجهمية أن شيخ الإسلام لا يكاد يذكر هذا المذهب إلا ويتبعه البيان بأن الأشعري وأكثر أصحابه يوافقون جهما عليه، ويقولون بقوله، فذكر كلام شيخ الإسلام هناك يغني عن نقله هنا، ومع هذا، فلابد من إعادة بعضه لإثبات هذه الحقيقة، مع نقل ما قاله أساطين المذهب الأشعري في ذلك، مما نقله شيخ الإسلام وتعقبه، فصار هناك طريقان من البيان لإثبات موافقة الأشعرية للجهمية في مسمى الإيمان، وهما:

الطريق الأول: نقل أقوال شيخ الإسلام في ذلك.

الطريق الثاني: نقل ما قاله علماء الفرقة مما نقله شيخ الإسلام عنهم، أو أشار إليه.

وهذا أوان تفصيل هذين الطريقين:

الطريق الأول: أقوال شيخ الإسلام في موافقة الأشاعرة للجهمية في مسمى الإيمان.

جاء ذلك عن شيخ الإسلام في مواضع كثيرة، وقد تقدم إيراد شيء منها، ومن ذلك قوله رحمه الله:"وأما الأشعري: فالمعروف عنه وعن أصحابه: أنهم يوافقون جهما في قوله في الإيمان، وأنه: مجرد تصديق القلب، أو معرفة القلب" (٣).ويقول: "وبهذا وغيره يتبين فساد قول جهم، والصالحي، ومن اتبعهما في الإيمان، كالأشعري - في أشهر قوليه -، وأكثر أصحابه، وطائفة من متأخري أصحاب أبي حنيفة، كالماتريدي (٤)، ونحوه:

حيث جعلوه مجرد تصديق في القلب، يتساوى فيه العباد، وأنه إما أن يعدم وإما أن يوجد، لا يتبعض.

وأنه يمكن وجود الإيمان تاما في القلب مع وجود المتكلم بالكفر، والسب لله ورسوله، طوعا من غير إكراه.

وأن ما علم من الأقوال الظاهرة أن صاحبه كافر؛ فلأن ذلك مستلزم عدم ذلك التصديق الذي في القلب، ... ،.وأن الأعمال الصالحة الظاهرة ليست لازمة للإيمان الباطن الذي في القلب، بل يوجد إيمان القلب تاما بدونها" (٥).

ويقول شيخ الإسلام: "وأما جهم فكان يقول: إن الإيمان مجرد تصديق القلب، وإن لم يتكلم به.


(١) ((التسعينية)) (٢/ ٦٥٥ - ٦٥٧)؛ وانظر منها، (ص٦٤٧)؛ و ((الإيمان)) (ص١٤٠) ((الفتاوى)) (٧/ ١٤٦).
(٢) ((الإيمان)) (ص١١٤) ((الفتاوى)) (٧/ ١٢٠).
(٣) ((النبوات)) (١/ ٥٨٠).
(٤) انظر في كونه قول الماتريدي: ((تبصرة الأدلة)) (٢/ ٧٩٩)؛ و ((التمهيد لقواعد التوحيد))، (ص ١٢٨)؛ و ((المسامرة بشرح المسايرة))، للكمال بن أبي شريف، الطبعة الأولى ١٣١٧هـ، بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق بمصر، (ص١، ٥) من الخاتمة؛ ((ورد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار)) ((حاشية ابن عابدين))، لابن عابدين، تحقيق عبدالمجيد حلبي، الطبعة الأولى ١٤٢٠هـ، دار المعرفة ببيروت (٦/ ٣٤٢).
(٥) ((الإيمان الأوسط))، ضمن: ((الفتاوى)) (٧/ ٥٨٢)، (ص٤٩٣) ط. ابن الجوزي.

<<  <  ج: ص:  >  >>