رابعاً: قالوا: كل إيمان إسلام، وليس كل إسلام إيمانا، وهنا يقال لهم:
إن كان المراد أن كل إيمان هو الإسلام الذي هو أمر الله تعالى به، فهذا يناقض قولهم إن الإيمان خصلة من خصال الإسلام، فجعلوا الإيمان بعض الإسلام ولم يجعلوه إياه.
قيل لهم: فعلى هذا يكون الإسلام متعددا بتعدد الطاعات، وتكون الشهادتان وحدهما إسلاما، والصلاة وحدها إسلاما، والزكاة وحدها إسلاما، وهكذا كل طاعة فهي وحدها إسلاما.
خامساً: قولهم إن المسلم لا يكون مسلما إلا بفعل كل ما أسموه إسلاما، يلزم منه لوازم باطلة، منها:
١ - أن يكون الفساق ليسوا مسلمين، مع كونهم مؤمنين، فجعلتم المؤمنين الكاملي الإيمان عندكم ليسوا مسلمين، وهذا شر من قول الكرامية.
٢ - أن يكون الفساق من أهل القبلة ليسوا مسلمين، فيكونون كفارا، وهذا شر من قول الخوارج والمعتزلة.
فيكون إخراجكم الفساق من اسم الإسلام - إن أخرجتموهم - أعظم شناعة من إخراجهم من اسم الإيمان، فوقعتم في أعظم ما عبتموه على المعتزلة.
٣ - أن يكون من ترك التطوعات ليس مسلما، إذ كانت التطوعات طاعة لله - إن جعلتم كل طاعة فرضا أو نفلا إسلاما -.
سادساً: قولهم: إن كل من فعل طاعة سمى مسلما يلزم منه أن يكون من فعل طاعة من الطاعات ولم يتكلم بالشهادتين مسلما، ومن صدق بقلبه ولم يتكلم بلسانه أن يكون مسلما عندكم؛ لأن الإيمان عندكم إسلام، فمن أتى به فقد أتى بالإسلام، ويكون مسلما عندكم من تكلم بالشهادتين وما أتى بشيء من الأعمال.
سابعاً: قالوا: كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنا، ويرد على هذا القول ما يلي:
١ - أنهم قالوا هذا من حيث الإطلاق، وإلا فالتفصيل ما ذكرناه من أن الإيمان خصلة من خصال الإسلام والدين، وليس هو جميع الإسلام والدين.
٢ - أن هذا القول: كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنا، يناقض قولهم إن الإسلام هو استسلام لله بفعل كل طاعة وقعت موافقة للأمر، وأن اسم الإسلام شامل لكل طاعة انقاد بها العبد لله من إيمان، وتصديق، وفرض سواه، ونفل، غير أنه لا يصح التقريب بفعل ما عدا الإيمان من الطاعات دون تقديم فعل الإيمان.
ووجه التناقض بين القولين أن المسلم عندهم هو المطيع لله، ولا تصح الطاعة من أحد إلا مع الإيمان، فيمتنع أن يكون أحد فعل شيئا من الإسلام إلا وهو مؤمن، ولو كان ذلك أدنى الطاعات، فيجب أن كون كل مسلم مؤمنا، سواء أريد بالإسلام فعل جميع الطاعات أو فعل واحدة منها، وذلك لا يصح كله إلا مع الإيمان.
٣ - أن قولهم: كل مؤمن مسلم.
يقال: إن كنتم تريدون بالإيمان تصديق القلب فقط، فيلزم أن يكون الرجل مسلما ولو لم يتكلم بالشهادتين، وما أتى بشيء من الأعمال المأمور بها، وهذا مما يعلم بطلانه بالضرورة من دين الإسلام، بل عامة اليهود والنصارى يعلمون أن الرجل لا يكون مسلما حتى يأتي بالشهادتين، أو ما يقوم مقامها.
وأيضا قولهم: كل مؤمن مسلم، لا يردون به أنه أتى بالشهادتين، ولا بشيء من المباني الخمس، بل أتى بما هو طاعة، وتلك طاعة باطنة، وهي التصديق، وليس هذا هو المسلم المعروف في الكتاب والسنة، ولا عند الأئمة الأولين والآخرين.
ثامناً: احتجاجكم بقوله: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات: ١٤]، قلتم: نفى عنهم الإيمان، وأثبت لهم الإسلام.
فيقال: هذه الآية حجة عليكم؛ لأنه لما أثبت الإسلام مع انتفاء الإيمان دل ذلك على أن الإيمان ليس بجزء من الإسلام، إذ لو كان بعضه لما كانوا مسلمين إن لم يأتوا به.
وإن قلتم: أردنا بقولنا أثبت لهم الإسلام، أي إسلام ما، فإن كل طاعة من الإسلام إسلام عندنا.
لزمكم ما تقدم، من أن يكون صوم يوم إسلاما، وصدقة درهم إسلاما، وأمثال ذلك. وبهذا التحقيق يتبين أن قول الأشاعرة إن كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنا، قد يظن من لا يعرف حقيقة الأمر أن هذا هو قول السلف الذي دل عليه الكتاب، وبينهما من التباين أعظم مما بين قول السلف وقول المعتزلة في الإيمان والإسلام (١).
المصدر:آراء المرجئة في مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية لعبدالله محمد السند – ص ٤٠٧
(١) انظر: ((الإيمان)) (ص١٥١)، ((الفتاوى)) (٧/ ١٥٧).