للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: "كنت عند مالك بن أنس فسمعت حماد بن أبي حنيفة يقول لمالك يا أبا عبدالله إن لنا رأياً نعرضه عليك فإن رأيته غير ذلك كففنا عنه، قال: وما هو؟ قال يا أبا عبدالله لا نكفر أحداً بذنب، الناس كلهم مسلمون عندنا. قال: ما أحسن هذا، ما بهذا بأس. فقام إليه داود بن أبي زنبر وإبراهيم بن حبيب وأصحاب له فقاموا إليه فقالوا: يا أبا عبدالله إن هذا يقول بالإرجاء، قال ديني مثل دين جبريل وميكائيل والملائكة المقربين، قال: لا والله: الإيمان يزيد وينقص لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ [الفتح: ٤] وقال إبراهيم أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة: ٢٦٠] فطمأنينة قلبه زيادة في إيمانه" (١).

ثالثا - رواية ابن نافع: قال: كان مالك بن أنس يقول: "الإيمان قول عمل، يزيد وينقص" (٢).

رابعا - رواية معن بن عيسى: أشار إليها ابن عبدالبر في التمهيد (٣) ونقلها عنه شيخ الإسلام (٤)، ولم أقف عليها مسندة.

خامسا - رواية أبي عثمان سعيد بن داود بن أبي زنبر الزنبري: قال كان مالك يقول: "الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص" (٥).

سادسا - رواية سويد بن سعيد بن سهل الهروي: قال: "سمعت مالك بن أنس وحماد بن زيد .. وجميع من حملت عنهم العلم يقولون: الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص ... " (٦).فالقول بأن الإيمان يزيد وينقص ثابت عنه رحمه الله من طرق متعددة، ولذا قال ابن عبدالبر في التمهيد بعد أن أشار إلى رواية ابن القاسم عنه في أن الإيمان يزيد مع التوقف في النقصان، قال: "وروى عنه عبدالرزاق، ومعن ابن عيسى، وابن نافع، وابن وهب أنه يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وعلى هذا مذهب الجماعة من أهل الحديث والحمد لله" (٧).وقال القاضي عياض: "قال غير واحد: سمعت مالكاً يقول: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وبعضه أفضل من بعض" (٨).

وخلاصة الكلام في هذا الفصل أن مالكاً رحمه الله كان يقول إن الإيمان يزيد ولا يقول ينقص متوقفاً في ذلك لا منكراً له، ثم بأن له بعد ذلك وظهر من خلال تأمله للنصوص وإعادة النظر فيها أنه ينقص، مستدلاً على ذلك بنصوص القرآن المصرحة بالزيادة نفسها، إذ إن ما دل على الزيادة تصريحاً يدل على النقصان لزوماً. قال ابن رشد: "وقد روي عن مالك رحمه الله أنه كان يطلق القول بزيادة الإيمان وكف عن إطلاق نقصانه، إذ لم ينص الله تعالى إلا على زيادته، فروي عنه أنه قال عند موته لابن نافع وقد سأله عن ذلك: قد أبرمتموني إني تدبرت هذا الأمر فما من شيء يزيد إلا وينقص، وهو الصحيح والله سبحانه وتعالى أعلم" (٩).


(١) أخرجه اللالكائي في ((شرح الاعتقاد)) (٥/ ٩٦٠) (ح ١٧٤٣) قال أخبرنا محمد بن الحسن بن محمد الوراق قال نا أحمد بن خلف قال: نا أبو إسماعيل يعني الترمذي قال سمعت إسحاق بن محمد يقول .. فذكره. وذكره بنحو القاضي عياض في ((ترتيب المدارك)) (٢/ ٤٨).
(٢) رواه عبدالله في ((السنة)) (١/ ٣١٧) (ح ٦٣٦)، والخلال في ((السنة)) (ح ١٠٨٢).
(٣) (٩/ ٢٥٢) وتصحف فيه معن إلى معمر وهو خطأ.
(٤) ((الفتاوى)) (٧/ ٣٣١).
(٥) رواه الخلال في ((السنة)) (ح١٠١٤).
(٦) رواه البيهقي في ((السنن)) (١٠/ ٢٠٦).
(٧) ((التمهيد)) (٩/ ٢٥٢).
(٨) ((ترتيب المدارك)) (٢/ ٤٣).
(٩) ((المقدمات)) (١/ ٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>