للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن كان مستند تصديقه ومحبته أدلة توجب اليقين، وتبين فساد الشبهة العارضة، لم يكن بمنزلة من كان تصديقه لأسباب دون ذلك، بل من حصل له علوم ضرورية لا يمكنه دفعها عن نفسه لم يكن بمنزلة منن تعارضه الشبه ويريد إزالتها بالنظر والبحث. ولا يستريب عاقل أن العلم بكثرة الأدلة وقوتها، وبفساد الشبه المعارضة لذلك، وبيان بطلان حجة المحتج عليها، ليس كالعلم الذي هو حاصل عن دليل واحد من غير أن يعلم الشبه المعارضة له، فإن الشيء كلما قويت أسبابه وتعددت، وانقطعت موانعه واضمحلت كان أوجب لكماله وقوته وتمامه (١).

الوجه السادس: أن التفاضل يحصل في هذه الأمور من جهة دوام ذلك وثباته، وذكره واستحضاره، كما يحصل النقص من جهة الغفلة عنه، والإعراض.

والعلم والتصديق والحب والتعظيم وغير ذلك مما في القلب هي صفات وأحوال تدوم وتحصل بدوام أسبابها وحصول أسبابها.

والعلم وإن كان في القلب فالغفلة تنافي تحقيقه، والعالم بالشيء في حال غفلته عنه دون حال العالم بالشيء في ذكره له. قال عمير بن حبيب الخطمي رضي الله عنه: الإيمان يزيد وينقص، قالوا: وما زيادته ونقصانه؟ قال: إذا حمدنا الله وذكرناه وسبحناه فتلك زيادته، وإذا غفلنا ونسينا وضيعنا فذلك نقصانه (٢).

الوجه السابع: أن يقال: ليس فيما يقوم بالإنسان من جميع الأمور أعظم تفاضلا وتفاوتا من الإيمان. فكل ما تقرر إثباته من الصفات والأفعال مع تفاضله، فالإيمان أعظم تفاضلا من ذلك (٣).الوجه الثامن: أن الإنسان قد يكون مكذبا ومنكرا لأمور لا يعلم أن الرسول أخبر بها، وأمر بها، ولو علم ذلك لم يكذب ولم ينكر، بل قلبه جازم بأنه لا يخبر إلا بصدق، ولا يأمر إلا بحق، ثم يسمع الآية أو الحديث، أو يتدبر ذلك، أو يفسر له معناه، أو يظهر له ذلك بوجه من الوجوه، فيصدق بما كان مكذبا به، ويعرف ما كان منكرا، وهذا تصديق جديد، وإيمان جديد ازداد به إيمانه (٤).

وبمعرفة وقوع التفاضل من جهة أمر الرب، ومن جهة فعل العبد من خلال الوجوه السابقة يبطل بحمد الله أصل المرجئة أن الإيمان لا يتفاضل، والله تعالى أعلم.

المصدر:آراء المرجئة في مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية لعبدالله محمد السند - ص ٤٢٥


(١) انظر: ((الإيمان الأوسط))، ضمن ((الفتاوى)) (٧/ ٥٦٥ – ٥٦٦)، (ص٤٦٢) ط. ابن الجوزي.
(٢) انظر: ((الإيمان الأوسط))، ضمن: ((الفتاوى)) (٧/ ٥٦٦، ص٤٦٢ - ٤٦٣) ط. ابن الجوزي؛ وانظر أيضا: ((الإيمان)) (ص٢٢٢ - ٢٢٣) ((الفتاوى)) (٧/ ٢٣٥ - ٢٣٦)؛ و ((شرح الأصبهانية)) (٢/ ٥٨٠، ص١٤٠) ت مخلوف؛ و ((الفتاوى)) (٦/ ٤٨٠ – ١٨/ ٢٧٨).
(٣) انظر: ((الإيمان الأوسط))، ضمن: ((الفتاوى)) (٧/ ٥٦٦، ص ٤٦٣) ط. ابن الجوزي.
(٤) انظر: ((الإيمان)) (ص٢٢٤) ((الفتاوى)) (٧/ ٢٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>