للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن حمله على الطاعة سرا وعلنا، وقد مال إليه القلانسي، فلا يبعد على ذلك إطلاق القول بأن الإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، وهذا مما لا نؤثره).

فإن قال القائل: أصلكم يلزمكم أن يكون إيمان المنهمك في فسقه، كإيمان النبي صلى الله عليه وسلم؟

قلنا: النبي يفضل إيمانه على إيمان من عداه باستمرار تصديقه، وعصمة الله إياه من مخامرة الشكوك، واختلاف الريب.

والتصديق عرض من الأعراض لا يبقى، وهو متوال للنبي صلى الله عليه وسلم، ثابت لغيره في بعض الأوقات، وزائل عنه في أوقات الفترات، فيثبت للنبي صلى الله عليه وسلم أعداد من التصديق، ولا يثبت لغيره إلا بعضها، فيكون إيمانه لذلك أكثر وأفضل. قال: ولو وصف الإيمان بالزيادة والنقصان، وأريد به ذلك كان مستقيما" (١).فالجويني أجاز الزيادة والنقصان في الإيمان، مؤولا ذلك باستمرار التصديق ودوامه للنبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا فحسب فضل النبي صلى الله عليه وسلم على غيره، فيكون التصديق في حق النبي صلى الله عليه وسلم يتوالى ويتعاقب ولا يكون له فترة ولا شك، وأما التصديق في حق غير النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يتعاقب عليه مثل ما يتعاقب في حقه صلى الله عليه وسلم، بل يقع فيه فترة وغفلة (٢).

وقد علق شيخ الإسلام على مقالة الجويني بقوله:"قلت: فهذا هو الذي يفضل به النبي غيره في الإيمان عندهم، ومعلوم أن هذا في غاية الفساد من وجوه كثيرة" (٣).

ومما ينبه عليه قبل ختم هذا المبحث أن إمام الفرقة أبا الحسن الأشعري قد رجع في مسألة تفاضل الإيمان إلى قول أهل الحق، فقال بزيادة الإيمان ونقصانه. فقد صرح رحمه الله بأن "الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص" (٤).

وفي أثناء حكايته لمذهب أهل السنة والحديث في الاعتقاد ذكر مذهبهم في هذه المسألة، وأنهم يقرون بأن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص. قال بعد ذلك: "وبكل ما ذكرناه من قولهم نقول، وإليه نذهب" (٥).

المصدر:آراء المرجئة في مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية لعبدالله محمد السند - ص ٤٤٥


(١) ((الإيمان)) (ص١٤٧) ((الفتاوى)) (٧/ ١٥٣)، والنقل عن: ((الإرشاد))، (ص٣٣٦).
(٢) انظر: ((الغنية في أصول الدين))، (ص١٧٤ - ١٧٥).
(٣) ((الإيمان)) (ص١٤٧) ((الفتاوى)) (٧/ ١٥٣).
(٤) ((التسعينية)) (٣/ ١٠١٩)؛ نقلا عن: ((الإبانة))، (ص٣٩).
(٥) ((الإيمان الأوسط))، ضمن: ((الفتاوى)) (٧/ ٥٤٩ – ٥٥٠)، (ص٤٤٠) ط. ابن الجوزي؛ وهو في: ((مقالات الإسلاميين)) (١/ ٣٤٧، ٣٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>