للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التاسع: أن شعب الإيمان قد تتلازم عند القوة، ولا تتلازم عند الضعف فإذا قوى ما في القلب من التصديق والمعرفة والمحبة لله ورسوله أوجب بغض أعداء الله كما قال تعالى: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء [المائدة: ٨١]، وقال: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ [المجادلة: ٢٢].

وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة فيكون ذنباً ينقص به إيمانه، ولا يكون به كافراً، كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة، لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل الله فيه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم [الممتحنة: ١].وكما حصل لسعد بن عبادة لما انتصر لابن أبي في قصة الإفك. فقال لسعد بن معاذ: كذبت والله لا تقتله ولا تقدر على قتله، قالت عائشة وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً، ولكن احتملته الحمية، ولهذا الشبهة سمى عمر حاطباً منافقاً فقال: ((دعنى يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال: إنه شهد بدراً)) (١) , فكان عمر متأولاً في تسميته منافقاً للشبهة التي فعلها.

وكذلك قول أسيد بن حضير لسعد بن عبادة كذبت لعمر الله لنقتلنه، إنما أنت منافق، تجادل عن المنافقين هو من هذا الباب، وكذلك قول من قال من الصحابة عن مالك بن الدخشم: منافق، وغن كان قال ذلك لما ر أي فيه من نوع معاشرة ومودة للمنافقين.

ولهذا لم يكن المتهمون بالنفاق نوعاً واحداً، بل فيهم المنافق المحض، وفيهم من فيه إيمان ونفاق، وفيهم من إيمانه غالب وفيه شعبة من النفاق. وبهذا يعلم فساد شبهتهم وزعمهم أن الإيمان كل واحد لا يتجزأ إذا ذهب بعضه ذهب كله، وأنه كرقم عشرة إذا زال بعض أجزائه زال الاسم عنه، وأنه لا يجتمع في القلب إيمان ونفاق وإيمان وبعض شعب الكفر (٢).

ثم إنه مما تقدم تبين لنا أن قول الخوارج والمعتزلة في الإيمان هو أنه لا يزيد ولا ينقص، فإما أن يوجد كاملاً أو يذهب كاملاً للأصل الفاسد الذي سبق مناقشته.

ولذا فإنهم يتأولون النصوص الواردة المصرحة بزيادة الإيمان على أن المراد بالزيادة فيها زيادة الألطاف أو الأدلة أو الثواب أو غير ذلك من التأويلات. ومن الأمثلة على هذا قول القاضي عبدالجبار المعتزلي عند قوله تعالى: وَزِدْنَاهُمْ هُدًى [الكهف: ١٣]: "والمراد عندنا بذلك أنه زادهم لطفاً وأدلة على جهة التأكيد لكي يكونوا إلى الثبات على الإيمان أقرب" (٣).وقوله أيضاً "فأما قوله تعالى من قبل: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى [مريم: ٧٦] فقد بينا أنه لا ظاهر له، وأنه يتأول على زيادة الألطاف والأدلة والبيان، أو على الثواب العظيم" (٤).


(١) رواه البخاري (٣٠٠٧) , ومسلم (٢٤٩٤) من حديث علي رضي الله عنه.
(٢) انظر ((الفتاوى)) لابن تيمية (٧/ ٥١٤ - ٥٢٤).
(٣) ((متشابه القرآن)) (ص٤٧١).
(٤) ((متشابه القرآن)) (ص٤٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>