للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول رحمه الله: "وكثير من المرجئة، والجهمية من يقف في الوعيد، فلا يجزم بنفوذ الوعيد في حق أحد من أرباب الكبائر. كما قال ذلك من قاله من مرجئة الشيعة، والأشعرية، كالقاضي أبي بكر، وغيره" (١).والتوقف في نفوذ الوعيد قول لفريق من المرجئة يسمون الواقفة وقد ذكر شيخ الإسلام أنهم سلكوا في الإيمان والوعيد مسلك الجهمية الغلاة، كجهم وأتباعه (٢)، ومن أشهر من يمثل هذا المذهب القاضي الباقلاني الأشعري، وسيأتي شرح قولهم في المبحث الخاص عن الأشاعرة في مرتكب الكبيرة بعون الله تعالى.

وما مضى فيه تصحيح لما اشتهر عن عامة الجهمية، بل وعامة المرجئة، أنهم يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب، وأنه لا يدخل النار من أهل التوحيد أحد.

ولشيخ الإسلام رحمه الله كلام مهم حول هذه المقولة، فقد أفاد أنها تنسب للمرجئة في كلام الرادين عليها، مع أنه لا يعرف معينا يحكيها عنه.

يقول رحمه الله: "والمقصود هنا أنه لم يثبت المدح إلا على إيمان معه العمل، لا على إيمان خال عن عمل، فإذا عرف أنه الذم والعقاب واقع في ترك العمل كان بعد ذلك نزاعهم لا فائدة فيه، بل يكون نزاعا لفظيا، مع أنهم مخطئون في اللفظ، مخالفون للكتاب والسنة.

وإن قالوا: إنه لا يضره ترك العمل، فهذا كفر صريح. وبعض الناس يحكي هذا عنهم، وأنهم يقولون: إن الله فرض على العباد فرائض ولم يرد منهم أن يعملوها، ولا يضرهم تركها (٣).وهذا قد يكون قول الغالية الذين يقولون: لا يدخل النار من أهل التوحيد أحد، لكن ما علمت معينا أحكي عنه هذا القول، وإنما الناس يحكونه في الكتب، ولا يعنون قائله، وقد يكون قول من لا خلاق له من الفساق والمنافقين، يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب، أو مع التوحيد، وبعض كلام الرادين على المرجئة وصفهم بهذا" (٤).ويقول: "وقد حكي عن بعض غلاة المرجئة أن أحدا من أهل التوحيد لا يدخل النار، ولكن هذا لا أعرف به قائلا معينا فأحكيه عنه، ومن الناس من يحكيه عن مقاتل بن سليمان، والظاهر أنه غلط عليه" (٥).

ويقول: "ولكن الأقوال المنحرفة قول من يقول بتخليدهم في النار، كالخوارج والمعتزلة.

وقول غلاة المرجئة الذين يقولون: ما نعلم أن أحدا منهم يدخل النار، بل نقف في هذا كله. وحكي عن بعض غلاة المرجئة الجزم بالنفي العام" (٦).وقال: "وأما من جزم بأنه لا يدخل النار أحد من أهل القبلة، فهذا لا تعرفه قولا لأحد" (٧).

وقال: "وغالية المرجئة أنكرت عقاب أحد من أهل القبلة. ومن صرح بالكفر: أنكر الوعيد في الآخرة رأسا، كما يفعله طوائف من الاتحادية، والمتفلسفة، والقرامطة، والباطنية" (٨).


(١) ((شرح الأصبهانية)) (٢/ ٥٨٧)، (ص١٤٣/ ١٤٤) ت مخلوف؛ وانظر: مجموعة ((الفتاوى الكبرى)) ١/ ٣٦٣؛ و ((مختصر الفتاوى))، (ص٥٧٥ - ٥٧٨)؛ وهو في ((المستدرك على الفتاوى)) (٣/ ٩٦ - ٩٧)؛ وانظر: ((جامع الرسائل)) (١/ ١١١).
(٢) انظر: ((الفتاوى)) (١٤/ ٣٤٧ - ٣٤٨).
(٣) انظر: ((الإبانة الكبرى)) (٢/ ٨٩٣).
(٤) ((الإيمان)) (ص١٧٢) ((الفتاوى)) (٧/ ١٨١).
(٥) ((منهاج السنة)) (٥/ ٢٨٦)؛ ونحوه في: ((الفتاوى)) (١٦/ ١٩٦)؛ ومجموعة ((الفتاوى الكبرى)) (١/ ٣٦٣ - ٣٦٤).
(٦) ((الإيمان)) (ص٢٨٢) ((الفتاوى)) (٧/ ٢٩٧)؛ وانظر: ((جامع المسائل)) (٣/ ٢٣١).
(٧) ((الإيمان الأوسط)) ضمن ((الفتاوى)) (٧/ ٥٠١ - ٥٠٢) (ص٣٦١) ط. ابن الجوزي".
(٨) ((الفتاوى)) (١٦/ ٢٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>