للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه رد على من يقول: يجوز أن لا يدخل الله من أهل التوحيد أحدا النار.

كما يقوله طائفة من المرجئة الشيعة، ومرجئة أهل الكلام المنتسبين إلى السنة، وهم الواقفة من أصحاب أبي الحسن وغيرهم، كالقاضي أبي بكر، وغيره. فإن النصوص المتواترة تقتضي دخول بعض أهل التوحيد وخروجهم" (١).

وخلاصة هذا الرد في الوجوه التالية:

١ - أن قوله تعالى: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ يدل على بطلان قول المرجئة أنه يجوز أن لا يغفر لأحد.

ويدل على أن المغفرة حاصلة للبعض ممن يشاء الله، ومن لم يشأ أن يغفر له يجوز أن لا يغفر لأحد.

ويدل على أن المغفرة حاصلة للبعض ممن يشاء الله، ومن لم يشأ أن يغفر له، فهو معذب.

٢ - أن قوله تعالى: لِمَن يَشَاء يدل على بطلان قولهم إنه يجوز أن يغفر لكل أحد.

٣ - أن قوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ [الزمر: ٥٣]، يدل على بطلان توقفهم في قبول توبة الله على المذنبين، فإن الآية تدل على أن كل من ارتكب ذنبا، سواء كان شركا فما دونه، ثم تاب منه، فإن الله يقبل توبته.

٤ - أن الأحاديث المتواترة في خروج العصاة من النار، وفي الشفاعة لمن دخلها بالخروج منها تبطل توقفهم في خروج أصحاب الذنوب من النار. والذي عليه أئمة السلف هو القطع بأن من تاب توبة نصوحا قبل الله توبته (٢).

رابعا: تأويل المرجئة قوله تعالى: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة: ٢٧] بأن المراد به من اتقى الشرك، أجاب عنه شيخ الإسلام بقوله:

هذا خلاف القرآن، فإن الله تعالى قال: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ [المرسلات: ٤١ - ٤٢]، وإِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ [القمر: ٥٤]، وقال: الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [البقرة: ١ - ٤]، وقالت مريم: قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا [مريم: ١٨]، ولم ترد الشركن بل أرادت التقي الذي يتقي، فلا يقدم على الفجور"، ثم قال:

"وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: ٧٠ - ٧١]، فهم قد آمنوا واتقوا الشرك، فلم يكن الذي أمرهم به بعد ذلك مجرد ترك الشرك.


(١) ((الفتاوى)) (١٦/ ١٩٦).
(٢) انظر: الإيمان ص٤٠٠ ((الفتاوى)) (٧/ ٤١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>