للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن الأسود بن هلال، قال: (كان معاذ بن جبل يقول للرجال من إخوانه: أجلس بناء، فنؤمن ساعة، فيجلسان، فيذكران الله، ويحمدانه) (١).فكان السلف - رضوان الله عليهم - على هذا المعتقد الحق بالإيمان، وأن العمل ملازم له، ولا ينفك عنه، بل هو علامة دالة على صدق صاحبه؛ ولذلك ألف علماء السلف المصنفات الكبرى في شعب الإيمان، وأبوابه التي قالها النبي صلى الله عليه وسلم إنها الإيمان، وإنها قول باللسان، ومعرفة بالقلب، وعمل الأركان (٢).وكان علماء السلف من الصحابة والتابعين، على هذا المعتقد، وذكر منهم: "عمر بن الخطاب، وعليا، وعبدالله بن مسعود، ومعاذ بن جبل، وأبا الدرداء، وابن عباس، وابن عمر، وعمارا، وأبا هريرة، وحذيفة بن اليمان، وسلمان الفارسي، وعبدالله بن رواحة، وأبا أمامة، وجندب بن عبدالله البجلي، وعمير بن خماشة، وعائشة - رضي الله عنهم - أجمعين، ومن التابعين: كعب الأحبار، وعروة بن الزبير، وعطاء، وطاووسا، ومجاهد، وابن أبي مليكة، وميمون بن مهران، وعمران بن عبدالعزيز، وسعيد بن جيد، والحسن البصري، والزهري، وقتادة، ويحيى بن أبي كثير، وأيوب السختياني، وأيوب بن عبيد، وابن عون، وسليمان التيمي، وإبراهيم النخعي، وأبا البختري، وسعيد بن فيروز، وعبدالكريم بن مالك الجزري، وزبيد بن الحارث، والأعمش، والحكم، ومنصوراً، وحمزة الزيات، وهشام بن حسان، ومعقل بن عبدالله الجزري، ومالك بن أنس، والأوزاعي، وجمهرة كبيرة غيرهم" (٣).ومن مسالك السلف في رد بدعة المرجة: بيان فساد مذهبهم، والتحذير منهم: فقد قال الأوزاعي: "كان يحيى وقتادة يقولان: ليس من الأهواء شيء اخوف عندهم على الأمة من الإرجاء" (٤)، وكان إبراهيم النخعي يقول عنهم: "لفتنتهم عندي أخوف على هذه الأمة من فتنة الأزارقة؛ لفقوا قولاً، فأنا أخافهم على الأمة، والشر من أمرهم كبير؛ فإياك، وإياهم"، وذكر عنده المرجئة، فقال: "والله، إنهم أبغض إلى من أهل الكتاب"، ولعل قول إبراهيم النخعي بأنه أخوف على الأمة منهم من فتنة الأزراقة، كان نابعا من أن الأزارقة قالوا بتكفير مرتكب الكبيرة، فكفروا الناس في الذنوب، فكان الغلو رائدهم، وتساهلت المرجئة في القول بترك العمل، وإنه لا يضر مع الإيمان معصية مهما عظمت، فأباحت للناس فعل الموبقات، فكان غلوهم من هذا الجانب، والأزارقة يحذرون من الكبائر، ويحكمون على أصحابها بذلك التشدد، وهؤلاء يتركون الحبل على الغارب في دعواهم الباطلة، ويطمعون الفساق، ويدعون الناس بمقالتهم لفعل الكبائر، والموبقات. وروى الطبري عن عمر بن مرة "ت ١١٦"، قال: "نظرت في أمر هؤلاء الخوارج، فإذا شر قوم، ونظرت في أمر هؤلاء الجنشبية "الشيعة"، فإذا شر قوم، ونظرت في أمر هؤلاء المرجئة، فإذا هم أمثل، أو خير، فأنا مرجئ، قال الأعمش: قلت: يا أبا عبدالله: ولم تسمى باسم غير الإسلام؟ قال: أنا كذلك" (٥).وروى الذهبي عن محمد بن حميد، عن معيزة قال: "لم يزل في الناس بقية حتى دخل عمر بن مرة في الإرجاء، فتهافت الناس فيه" (٦).


(١) رواه البخاري تعليقا في (باب الإيمان) وابن أبي شيبة، في (المصنف) (٦/ ١٦٤) (٣٠٣٦٥) , قال ابن حجر في ((تغليق التعليق)) (٢/ ٢١): موقوف صحيح, وقال الألباني في ((الإيمان)) لأبي عبيد (٤٥): إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(٢) ابن منده، ((الإيمان))، (١/ ٣٦٢).
(٣) انظر اللالكائي، ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة))، (٥/ ٨٩٢ - ٨٩٣)، وابن بطة، ((الإبانة)) الكبرآن (٢/ ٧٠٢)، وما بعدها، ت. د. رضا نعسان، رسالة مخطوطة بالجامعة.
(٤) ابن سعد، ((الطبقات الكبرى))، (٦/ ٢٨٢).
(٥) الطبرى ((تهذيب الآثار))، (٢/ ١٨٤).
(٦) الذهبي، ((سير أعلام النبلاء))، (٥/ ١٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>