قال محمد بن الحسين: من قال: الإيمان قول دون العمل يقال له: رددت القرآن والسنة وما عليه جميع العلماء وخرجت من قول المسلمين وكفرت بالله العظيم
فإن قال: بماذا؟
قيل له: إن الله عز وجل أمر المؤمنين بعد أن صدقوا في إيمانهم: أمرهم بالصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وفرائض كثيرة يطول ذكرها مع شدة خوفهم على التفريط فيها النار والعقوبة الشديدة
فمن زعم أن الله تعالى فرض على المؤمنين ما ذكرنا ولم يرد منهم العمل ورضي منهم بالقول فقد خالف الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل لما تكامل أمر الإسلام بالأعمال قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة:٣] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((من ترك الصلاة فقد كفر))
قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى: ومن قال: الإيمان: المعرفة دون القول والعمل فقد أتى بأعظم من مقالة من قال: الإيمان: قول ولزمه أن يكون إبليس على قوله مؤمنا لأن إبليس قد عرف ربه قال تعالى: قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي [الحجر:٣٩] وقال تعالى: قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي [الحجر:٣٦] ويلزم أن تكون اليهود - لمعرفتهم بالله وبرسوله - أن يكونوا مؤمنين قال الله عز وجل: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ [البقرة:١٤٦] فقد أخبر عز وجل: أنهم يعرفون الله تعالى ورسوله
ويقال لهم: أليس الفرق بين الإسلام وبين الكفر العمل؟ وقد علمنا أن أهل الكفر والشرك قد عرفوا بعقولهم أن الله خلق السموات والأرض وما بينهما ولا ينجيهم في ظلمات البر والبحر إلا الله عز وجل وإذا أصابتهم الشدائد لا يدعون إلا الله فعلى قولهم أن الإيمان المعرفة كل هؤلاء مثل من قال: الإيمان: المعرفة على قائل هذه المقالة الوحشية لعنة الله
بل نقول - والحمد لله - قولا يوافق الكتاب والسنة وعلماء المسلمين الذين لا يستوحش من ذكرهم وقد تقدم ذكرنا لهم: أن الإيمان معرفة بالقلب تصديقا يقينا وقول باللسان وعمل بالجوارح ولا يكون مؤمنا إلا بهذه الثلاثة لا يجزئ بعضها عن بعض والحمد لله على ذلك قال: (حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال: حدثنا يوسف القطان قال: حدثنا جرير عن عطاء بن السائب عن الزهري قال: قال: لي عبد الملك بن مروان: الحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة وإن زنا وإن سرق)) (١). قال: فقلت له: أين يذهب بك يا أمير المؤمنين؟ هذا قبل الأمر والنهي وقبل الفرائض
قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى: احذروا رحمكم الله قول من يقول: إن إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل ومن يقول: أنا مؤمن عند الله وأنا مؤمن مستكمل الإيمان هذا كله مذهب أهل الإرجاء
حدثنا حسان بن أبي سنان الأنماطي قال: حدثنا هشام بن عمار الدمشقي قال: حدثنا عبد الملك بن محمد قال: حدثنا الأوزاعي قال: ثلاث هن بدعة: أنا مؤمن مستكمل الإيمان وأنا مؤمن حقا وأنا مؤمن عند الله تعالى
(١) رواه البخاري (٦٤٤٣) , ومسلم (٩٤) من حديث أبي ذر رضي الله عنه.