للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفرقة السادسة عشر: الجاحظية: أصحاب أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، كان من فضلاء المعتزلة والمصنفين لهم، وقد طالع كثيرا من كتب الفلاسفة، وخلط وروج كثيرا من مقالاتهم بعباراته البليغة، وله منزلة سامية عند أهل الأدب على زيغه، يثق ابن حزم بنقله، ويقول عنه أبو الحسين الملطي أنه كان صاحب تصانيف، ولم يكن صاحب جدل، أخذ عن ثمامة بن الأشرس وعن أبي إسحاق النظام، وتوفي سنة (٢٥٠هـ، وقيل سنة ٢٥٥هـ، وقيل سنة ٢٥٦هـ)، وله من العمر ما يقارب تسعين سنة (١). وقد اشتهر بمسائل، منها ما يلي: الأولى: قال: الجوهر يستحيل أن ينعدم أو يفنى، لذلك فالأجسام المؤلفة من الجواهر يستحيل أيضا أن تنعدم أو تفنى، ولا يقدر الله على إفنائها، ولكنه يقدر على تفريق أجزائها، وإعادة تركيبها فقط، فالأجسام إذا ثابتة لا تفنى، وإنما يمكن أن تتغير من حال إلى حال. وهو بقوله هذا: متأثر بالفلاسفة اليونانيين الطبيعيين الذين يذهبون إلى القول بقدم العالم واستحالة فناء المادة، ويرون أن الخلق عبارة عن تجمع أجزاء المادة في أجسام منتظمة، وأن الفناء هو تفرق أجزاء تلك الأجسام (٢).الثانية: أثبتت الطبائع للأجسام، وأوجب لها أفعالا مخصوصة، فقال: إن العباد ليس لهم فعل إلا الإرادة، أما سائر الأفعال، فتقع طباعا لا اختيارا. وبسبب إثباته الطبائع للأجسام قال: إن الله لا يدخل النار أحدا، وإنما النار تجذب أهلها إلى نفسها بطبيعتها، ثم تمسكهم فيها خالدين. وقد اعترض الأسفراييني على هذا فقال: وأما قوله: إن العبد لا يفعل إلا الإرادة فيوجب أن لا يكون العبد فعل صلاة ولا حجا، وأن لا يكون فعل شيئا من موجبات الحدود كالزنا والسرقة، ثم قال: وأما قوله: إن الله لا يدخل أحدا النار، وإنما النار تجذب أهلها إلى نفسها بطبعها، قال: إنه يلزمه على هذا القول أن يقول في الجنة أنها تجذب أهلها إلى نفسها بطبعها، وأن الله لا يدخل أحدا الجنة، فإن قال بذلك قطع الرغبة إلى الله في الثواب، وأبطل فائدة الدعاء، وإن قال: إن الله تعالى هو يدخل أهل الجنة الجنة لزمه القول بأن الله يدخل في النار أهلها (٣).الثالثة: قوله في عصمة الأنبياء: لما كان الجاحظ يرى أن المعارف ضرورية فلا يعصي الله أحد إلا بعد العلم بما نهاه عنه؛ فقد قال: إن الأنبياء اعتمدوا المعاصي مع العلم بأن الله قد نهى عنها، ومعنى ذلك؛ أنه نفى العصمة عن الأنبياء فخالف أكثر المعتزلة الذين يقولون: إنه لا يجوز على الأنبياء أن يفعلوا قصدا ما علموا أنه ذنب (٤).الرابعة: حكي عنه أنه قال في القرآن الكريم أنه جسم يجوز أن ينقلب مرة رجلا ومرة حيوانا (٥).يقول زهدي جار الله: إنه لا يعقل أن يقول الجاحظ هذا القول؛ بل الأرجح أن يكون ابن الراوندي (٦) نسبه إليه للحط من قدره، وإن كان قاله فعلا فإنه إما أن يدل على الدرجة البعيدة في السخف التي وصلت إليها المحاجات الفلسفية في زمنه، وإما أن يكون الجاحظ – كما قال ماكدونالد قصد بهذا القول التهكم على المجادلين في وقته (٧).


(١) ((الملل والنحل)) (١/ ٧١)، ((التبصير في أمور الدين)) (٧٦)، ((الفرق بين الفرق)) (٩٦).
(٢) ((الفرق بين الفرق)) (١٧٦)، ((المعتزلة)) (١٤٦)، بتصرف.
(٣) ((التبصير في أمور الدين)) (٧٦).
(٤) ((الفرق بين الفرق)) (١٧٦).
(٥) ((الملل والنحل)) (١/ ٧٢).
(٦) ((فرق وطبقات المعتزلة)) (٩٧). الحاشية (٨).
(٧) ((المعتزلة)) (١٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>