للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ابتدعت الجهمية، والمعتزلة هذا الدليل. ثم تبعهم على ذلك: الكلابية، والأشعرية، والماتريدية، والمشبهة تأثرا بهم (١) ...

وجعلوه كلهم – باستثناء شيخي الكلابية والأشعرية؛ ابن كلاب، وأبي الحسن الأشعري -: أصل دين المسلمين، وقاعدة المعرفة، وأساس الإيمان، وأس اليقين، فلا يحصل إيمان ولا دين ولا علم، ولا يمكن معرفة الله، وتصديق رسوله صلى الله عليه وسلم، إلا بسلوك هذه الطريق؛ طريق الاستدلال بحدوث العالم على حدوث الأجسام والأعراض. بل ويعتقدون أن من خالفها فقد خالف دين الإسلام، وصار من الملحدين (٢).

فقد جعله الماتريدي الأصل الوحيد لمعرفة الله، فلا يعرف الله إلا من طريق دلالة العالم عليه .. يقول في بيان: "والأصل أن الله تعالى إذ لا سبيل إلى العلم به إلا من طريق دلالة العالم عليه، بانقطاع وجوه الوصول إلى معرفته من طريق الحواس عليه، أو شهادة السمع، .. "الخ (٣).

فلا تمكن معرفة الله – حتى ولا عن طريق الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية – بل لا بد من سلوك دليل الأعراض وحدوث الأجسام أولا – على حد زعمه – ليوصل سالكه إلى معرفة ربه. وكذا عبد الجبار المعتزلي: جعله أول الأصول التي يجب على المكلف معرفتها ليستقيم توحيده، فقال: "مسألة: فإن قال: فبينوا لي جمل ما يلزمه في (التوحيد) أن يعرفه، قيل له: يدور ذلك على أصول خمسة: أولها: إثبات حدوث العالم .. " (٤).

والغزالي أيضا حصر معرفة الله تعالى بهذا الدليل، وقصرها عليه، فلا اعتقاد في الصانع لمن لا يعتقد دليل حدوث الأجسام .. يقول في معرض رده على قول الفلاسفة بقدم العالم – تحت قوله مسألة: في تعجيزهم عن إقامة الدليل على أن للعالم صانعا وعلة -: "فبان أن من لا يعتقد حدوث الأجسام، فلا أصل لاعتقاده في الصانع أصلا" (٥).ونقل أحد علماء الأشعرية المتأخرين قول علماء طائفته في الدليل: " قال العلماء: اعلم أن حدوث العالم أصل عظيم لسائر العقائد، وأساس كبير لما يأتي من الفوائد .. " (٦).

لذلك نجد هؤلاء يبدؤون مؤلفاتهم - في العقيدة – بالنظر والعقليات وعلم الكلام، وتقرير أصولهم العقلية، وقواعدهم المنطقية - على حد زعمهم -؛ كدليل حدوث الأجسام، وغيره. ويهملون توحيد القصد والطلب، مع شدة الحاجة إليه.

وقد زعموا كلهم:

١ - أن إثبات الصانع لا يعرف إلا بالنظر المفضي إلى العلم بإثباته.

٢ - ويعد النظر تبين لهم أن العلم بإثبات الصانع لا يمكن إلا بإثبات حدوث العالم؛ إذ الحدوث هو العلة المحوجة إلى المؤثر، وإذا ثبت أن العالم حادث، فلابد له من محدث يخرجه من حيز العدم إلى حيز الوجود.

٣ - وقالوا: إن إثبات حدوث العالم لا يمكن إلا بإثبات حدوث الأجسام. .

٤ - وحدوث الأجسام يعلم: بلزومها للأعراض؛ التي هي الصفات.


(١) ((رسالة إلى أهل الثغر)) لأبي الحسن الأشعري (١٨٥، ١٨٩، ١٩١)، ((درء تعارض العقل والنقل)) (٧/ ٢٤٢)، ((الاستقامة)) (١/ ١٠٢)، ((الصفدية)) (٢/ ٤١)، ((منهاج السنة النبوية)) (١/ ٣٠٩)، ((الفتاوى المصرية)) (٦/ ٦٤٤)، ((شرح حديث النزول)) (١٦٠).
(٢) ((درء تعارض العقل والنقل)) (١/ ٣٠٣، ٧/ ١٤٣، ٣٨٢، ٨/ ٩٣، ٢٢٨)، ((منهاج السنة النبوية)) (١/ ٣١٥)، ((شرح حديث النزول)) (١٦١)،. ((نقد أساس التقديس)) - مخطوط - القرآن (٦٢/ب)، ((الفرقان بين الحق والباطل)) (٤٧)، ((الفتاوى المصرية)) (٦/ ٥٥٦)، ((علم الحديث)) (٢٩٤).
(٣) ((التوحيد للماتريدي)) (١٢٩، ٢٣١، ٢٣٣).
(٤) ((المختصر في أصول الدين لعبد الجبار)) (١٧٢).
(٥) ((تهافت الفلاسفة للغزالي)) (١٩٧).
(٦) ((جامع زبد العقائد التوحيدية في معرفة الذات الموصوفة العالية)) لولد عدلان (١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>