للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا التنزيه - بزعمهم - مجمع عليه عند المعتزلة. وقد نقل أبو الحسن الأشعري إجماعهم على ذلك في كلام طويل أذكر منه: "ليس بجسم، ولا شبح، ولا صورة،. .، ولا شخص، ولا جوهر، ولا عرض،. .، ولا يتحرك، ولا يسكن، ولا يتبعض، وليس بذي أبعاض وأجزاء، وجوارح وأعضاء، وليس بذي جهات، ولا بذي يمين وشمال وأمام وخلف وفوق وتحت، ولا يحيط به مكان، ولا يجري عليه زمان، ولا تجوز عليه المماسة، ولا العزلة، ولا الحلول في الأماكن، ولا يوصف بشيء من صفات الخلق الدالة على حدوثهم، ولا يوصف بأنه متناه، ولا يوصف بمساحة ولا ذهاب في الجهات،. . " (١).

والمعتزلة أيضا - يقولون بأن الله لا تحله الحوادث. وحقيقة قولهم: أن ليس لله تعالى فعل اختياري يقوم به، "ولا له كلام ولا فعل يقوم به يتعلق بمشيئته وقدرته، وأنه لا يقدر على استواء، أو نزول، أو إتيان، أو مجيء، وأن المخلوقات التي خلقها لم يكن منه عند خلقها فعل أصلا، بل عين المخلوقات هي الفعل، ليس هناك فعل ومفعول، وخلق ومخلوق، بل المخلوق عين الخلق، والمفعول عين الفعل، ونحو ذلك" (٢).والملاحظ أن حجتهم على نفي قيام الأفعال به - تعالى - من جنس حجتهم على نفي قيام الصفات كلها به - جلا وعلا؛ فهم - كالجهمية - يسوون في النفي بين هذا وهذا، وليس لهم حجة تختص بنفس قيام الحوادث (٣).

ومن ينفي قيام الصفات بالله - جل وعلا - بحجة ما - ينفي قيام الفعل به - تعالى - بتلك الحجة من باب أولى.

وهذه الحجة هي دليل الأعراض وحدوث الأجسام - كما تقدم بيان ذلك -:

أ- إذ الصفات كلها أعراض وأفعال حادثة - عند المعتزلة.

ب- وهي لا تقوم إلا بجسم.

ج - والأجسام محدثة.

د - فلو قامت به - تعالى - الصفات لكان جسما.

هـ - ولو قامت به - وهي حوادث بزعمهم - لم يخل منها. ووما لا يخلو من الحوادث فهو حادث (٤).لذلك قالوا: لا تقوم بالله الأعراض ولا الحوادث؛ لأنها لو قامت به، لوجب أن يكون - تعالى - جسما، والله ليس بجسم، فأظهروا في الإسلام نفي الصفات والأفعال، وسموا ذلك تقديسا لله عن الأعراض، وتنزيها له عن حلول الحوادث بذاته (٥).فلا يقوم بالله تعالى شيء من الصفات الفعلية ولا غيرها - عند المعتزلة -، بل كل ما يضاف إليه جل وعلا - عندهم - فإنما يعود معناه إلى أمر مخلوق منفصل عنه (٦).

إذ هم يجعلون مقتضى الصفة - التي أضافوها إلى الله - مفعولا منفصلا عن الله، لا يقوم بذاته جل وعلا. ويتضح ذلك في صفة "الخلق": فقد فروا من إثبات قيامها بالله، لئلا يكون الله محلا للحوادث، أو جسما - بزعمهم، وقالوا: إن الخلق هو المخلوق (٧).


(١) ((مقالات الإسلاميين)) (١/ ٢٣٥).
(٢) ((در تعارض العقل والنقل)) (٢/ ١٢)، الإرادة والأمر له - ضمن- ((مجموعة الرسائل الكبرى)) (١/ ٣٨٣).
(٣) ((شرح العقيدة الأصفهانية لابن تيمية)) (٧٠).
(٤) ((منهاج الكرامة)) للحلي الرافضي المعتزلي (٨١).
(٥) ((نقض أساس التقديس)) لابن تيمية -مخطوط - (القرآن ٦٣/أ)، ((شرح العقيدة الأصفهانية)) (٨٨)، ((الصفدية)) (١/ ١٢٨)، ((تفسير سورة الإخلاص)) له (١٥١)، ((مجموع فتاوى شيخ الإسلام)) (١٧/ ٢٩٩)، ((درء تعارض العقل والنقل)) (٢/ ١١٩٦، ٥/ ٢٤٥)، ((منهاج السنة النبوية)) (٢/ ٩٧، ١٠٧)، ((الرسالة التدمرية)) (١٣٤)، ((مجموع فتاوى شيخ الإسلام)) (٥/ ٢٩٠، ٦/ ٣٥، ١٢/ ٣١٥)، ((الفتاوى المصرية)) (٦/ ٤٤٣).
(٦) ((الفتاوى المصرية)) (٦/ ٤٣٨).
(٧) ((الفصول المهمة في أصول الأئمة)) للحر العاملي (٥٥)، ((مجموع فتاوى شيخ الإسلام)) (١٦/ ٣٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>