للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيا: قال سيف الدين الآمدي بعد تقريره لدليل الوجود: (ومن نظر بعين التحقيق علم أن المتعلق به منحرف عن سواء الطريق، وذلك أنه وإن سلم جواز تعلق الرؤية بالجواهر والأعراض مع إمكان النزاع فيه فهو لا محالة إما أن يكون من المعترف بالأحوال أو قائلا بنفيها: فإذا كان من القائل بها فالوجود الذي هو متعلق الرؤية حينئذ لا بد وأن يكون هو نفس الموجود وليس بزائد على الذات فلا بد من بيان الاشتراك بين الذوات الموجودة شاهدا وغائبا، وإلا فلا يلزم من جواز تعلق الرؤية بأحد المختلفين جواز تعلقها بالآخر، ولا يخفى أن ذلك مما لا سبيل إليه وإلا كان الباري ممكنا لمشاركته الممكنات بذواتها في حقائقها وهو متعذر. ثم ولو قيل: ليس متعلق الإدراك هو نفس الموجود بل ما وقع به الافتراق والاختلاف بين الذوات كما ذهب إليه بعض الخصوم من المعتزلة لم يجد في دفع ذلك مستندا غير الاستناد إلى محض الدعوى، وليس من الصحيح ما قيل في دفعه من أن الإدراك أخص من العلم والعلم عند الخصم مما لا يصح تعلقه بالأحوال على حيالها فيمتنع دعوى تعلق ما هو الأخص بها فإنه لا يلزم من انتفاء تعلق العلم بشيء على حياله وإن كان أعم، انتفاء تعلق الأخص به، اللهم إلا أن يكون الأعم جزءا من معنى الأخص ويكون تعلق الأخص به من جهة ما اشتمل عليه من حقيقة ما تخصص به من المعنى العام، إذ هو نفس حقيقة ما منع من تعلقه، وهو تناقض، أما إن كان الأعم كالعرض العام، للأخص أو هو داخل في معناه لكن تعلق المتعلق ليس إلا من جهة خصوصه لا من جهة ما يتضمنه من المعنى العام فلا مانع من أن يكون تعلقه بالشيء على حياله، وإن كان تعلق المعنى العام به لا على حياله، ثم لو قدرنا امتناع تعلق الأخص بالشيء على حياله لضرورة امتناع تعلق الأعم به على حياله فحاصله إنما هو راجع إلى مناقضة الخصم في مذهبه وهو غير كاف فيما يرجع إلى الاستقلال بتحصيل المطلوب لضرورة تخطئة الخصم فيما ذهب إليه لم يك ما قيل مثمرا للمطلوب، ولا لازما عليه، كيف وأن ذلك وإن كان مناقضا لبعض الخصوم كالجبائي ومن تابعه لضرورة منعه من تعلق العلم بما وقع به الاتفاق والافتراق على حياله فهو غير لازم في حق غيره اللهم إلا أن يكون قائلا بمقالته، وذلك مما لا سبيل إلى دعوى عمومه، وإن كان من القائلين بنفي الأحوال، فما وقع به الاختلاف بين الذوات حينئذ لا مانع من أن يكون من جملة المصحح للرؤية لكونه ذاتا، وإذ ذاك فلا يلزم منه جواز تعلق الرؤية بواجب الوجود إلا أن يبين أن ما كان مصححا للرؤية في باقي الذوات متحقق في حق واجب الوجود وهو متعذر) (١).ثالثا: قال الرازي في حكاية ما قيل في هذه المسألة من الدلائل العقلية: (اعلم أن جمهور الأصحاب عولوا في إثبات أنه تعالى يصح أن يرى على دليل الوجود، وأما نحن فعاجزون عن تمشيه ونحن نذكر ذلك الدليل ثم نوجه عليه ما عندنا من الاعتراضات (٢). ثم بعد أن ساق الدليل أورد عليه اثني عشر اعتراضا في صيغة الأسئلة ثم قال: (فهذا ما عندي من الأسئلة على أن هذا الدليل وأنا غير قادر على الأجوبة عنها فمن أجاب عنها أمكنه أن يتمسك بهذا الدليل. ولنختم هذا الفصل بخاتمة، وهي أنا نقول: اعلم أن الدليل العقلي المعول عليه في هذه المسألة التي أوردناها، وأوردنا عليه هذه الأسئلة واعترفنا بالعجز عن الجواب عنها.


(١) ((غاية المرام في علم الكلام)) للآمدي (١٦٠).
(٢) ((الأربعين في أصول الدين)) للرازي (١٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>