للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد هذه الاعتراضات على الدليل العقلي، والشبه التي أوردها أصحابه عليه وهم الأشاعرة، يتضح عدم قوة الدليل ذاته، ويظهر أن المتمسك به لا يستطيع تشميه. ولا الدفاع عنه. لذلك نراهم عادوا إلى التمسك بالنصوص الواردة في الرؤية. ٢ - من أدلة العقل على الجواز قول أبي الحسن الأشعري: (ومما يدل على رؤية الله سبحانه بالأبصار أن الله عز وجل يرى الأشياء، وإذا كان للأشياء رائيا فلا يرى الأشياء من لا يرى نفسه وإذا كان لنفسه رائيا فجائز أن يرينا نفسه، وذلك أن من لا يعلم نفسه لا يعلم شيئا؛ فلما كان الله عز وجل عالما بالأشياء كان عالما بنفسه، فلذلك من لا يرى نفسه لا يرى الأشياء، فلما كان الله عز وجل رائيا للأشياء كان رائيا لنفسه، وإذا كان رائيا لها فجائز أن يرينا نفسه كما أنه لما كان عالما بنفسه جاز أن يعلمناها، وقد قال الله تعالى: قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه: ٤٦] فأخبر أنه سمع كلامهما ورآهما، ومن زعم أن الله عز وجل لا يجوز أن يرى بالأبصار يلزمه أن لا يجوز أن يكون الله عز وجل رائيا ولا عالما ولا قادرا لأن العالم القادر الرائي جائز أن يرى) (١).

وقال الشهرستاني بعد تقرير دليل الوجود: (وإن سلكنا طريقة العلم فهو أسهل فإن العلم من حيث هو علم نوع واحد وحقيقة واحدة وإذا جوز تعلق العلم به فقد جوز تعلق الرؤية به. وقد سلك الأستاذ أبو إسحاق طريقة قريبة من هذا فقال الرؤية معنى لا تؤثر في المرئي ولا تتأثر منه فإن حكمة حكم العلم بخلاف سائر الحواس، فإنها تؤثر وتتأثر، وإنما يلزم الاستحالة فيه أن لو تأثرت الرؤية من المرئي أو تأثير المرئي من الرؤية وكل ما هذا سبيله فهو جائز التعلق بالقديم والحادث، وكل مؤثر ومتأثر فهو مستحيل عندنا كما هو مستحيل عندك ولا كلفة في هذه الطريقة إلا إثبات معنى في البصر لا يؤثر ولا يتأثر (٢).وقال الآمدي عن هذا الدليل: (واعلم أن هذه الطريقة مع احتياجها إلى تقرير معنى التأثير وحصر الموانع بأسرها ونفيها مما لا حاصل له وذلك أنه لا يخفى أن تعلق الشيء بغيره ليس مما يتم بانتفاء التأثير وزوال المانع بل لا بد من بيان الصلاحية للتعلق بين المتعلقين، ولو انتفى كل ما يقدر من الموانع وعند العود إلى بيان الصلاحية، والقبولية يرجع الكلام إلى الوجود وتصحيحه للتعلق (٣).

أما المعتزلة فإنهم- بناء على نفيهم الرؤية – خالفوا هذا الدليل وناقشوه، وقالوا لنا في هذه المسألة طريقان:

(الأول: أنا نقول أنا لا نسلم أنه راء لذاته بل القديم تعالى إنما يرى الشيء لكونه حيا بشرط وجود المدرك وكونه حيا من مقتضى صفة الذات، وكونه مدركا من مقتضى صفة الذات فكيف يصح أن يقال إنه عز وجل راء لذاته؟

الثاني: هو أن نقول هب أن الله تعالى راء لذاته أليس أنه عز وجل لا يجب أن يرى المعدومات مع كونه رائيا لذاته؟

فإن قالوا: إنما لا يجب أن يرى المعدومات لأن الرؤية مستحيلة على المعدومات.


(١) ((الإبانة في أصول الديانة)) للأشعري (١٦).
(٢) ((نهاية الإقدام في علم الكلام)) للشهرستاني (٣٥٨)، وانظر ((الملل والنحل)) (١/ ١٠٠)، ((الاقتصاد في الاعتقاد)) للغزالي (٣٩).
(٣) ((غاية المرام في علم الكلام)) للآمدي (١٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>