للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثاً: مسألة الوجه: لقد وردت آيات قرآنية تشير إلى أن لله تعالى وجهاً مثل قوله تعالى: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن: ٢٧]. وقوله تعالى: ... كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص: ٨٨]. وقد رفض المعتزلة أن يكون لله وجه هو جزء منه؛ لذا أولوا الوجه الوارد في الآيتين، فقالوا: إن المراد بالوجه، هو الذات. يقول القاضي عبدالجبار: "المراد بالوجه في قوله تعالى: ... كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص: ٨٨] أي: ذاته، والوجه بمعنى الذات مشهور في اللغة، يقال: وجه هذا الثوب جيد، أي: ذاته جيدة ... " (١).وقال بعضهم: إن كلمة "الوجه" في الآية زائدة، والتقدير، ويبقى ربك (٢).وذهب البعض الآخر منهم إلى أن: وجه الله تعالى هو قبلته أو ثوابه أو جزاؤه (٣).المناقشة: أولاً: يقال لهم: إن تأويلكم الوجه بهذه التأويلات حمل للحقيقة على المجاز، والمجاز لا يمتنع نفيه؛ فعلى هذا لا يمتنع أن يقال: ليس لله وجه، ولا حقيقة لوجهه، وهذا تكذيب صريح لما أخبر الله به عن نفسه، وأخبر به رسوله – صلى الله عليه وسلم -، وما يؤدي إلى هذا، فإنه لا شك في بطلانه (٤).ثانيا: يلزم من حملكم وجه الله على المجاز أن يكون سمع الله وبصره وقدرته وحياته وسائر صفاته؛ مجازاً، لا حقيقة؛ وهذا باطل، فما يؤدي إليه مثله (٥).ثالثا: يقال لهم: إن تأويلكم الوجه بمعنى الذات لم يعرف في لغة من لغات الأمم، وغاية ما تمسكتم به أن قلتم: وجه الرب بمعنى ذاته، لأنه اشتهر في اللغة أن الوجه بمعنى الذات، ونقول: أما قولكم أنه اشتهر في اللغة أن الوجه بمعنى الذات، فهذا مردود، فإن الوجه في اللغة هو مستقبل كل شيء وليس ذاته (٦). ثم هو بحسب المضاف إليه، فإن كان جماداً محسوساً؛ فهو أحد جانبيه، وإن كان معنوياً كالنهار فوجهه أوله. يقول ابن عباس: "وجه النهار أوله". وإن أضيف إلى من ليس كمثله شيء كان وجهه كذلك (٧) لا يماثله شيء. فلا يلزمنا تشبيه كما تدعون؛ لأنا لم نقل إن وجهه تعالى يماثل شيئا، ولا يلزمنا تعطيل كما لزمكم عندما أولتم الوجه بمعنى الذات. رابعاً: أما زعم من زعم أن الوجه صلة والتقدير ويبقى ربك؛ فجوابه: أن يقال هذا كذب على الله، وعلى رسوله – صلى الله عليه وسلم -، وعلى اللغة، فإن هذه الكلمة ليست مما عهد زيادتها، ولو قيل: إنها زائدة؛ لساغ لمعطل آخر أن يدعي الزيادة في قوله: أعوذ بعزة الله وقدرته، ويكون التقدير: أعوذ بالله، ويدعي معطل ثالث: الزيادة في سمع الله وبصره وقدرته وعلمه، وغير ذلك مما يريد نفيه (٨).


(١) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص٢٢٧).
(٢) ((الصواعق المرسلة)) (٢/ ١٧٤).
(٣) ((المقالات)) (٢/ ٦٥، ٢١٨)، و ((الصواعق المرسلة)) (٢/ ١٧٤).
(٤) ((الصواعق)) (٢/ ١٧٥).
(٥) ((الصواعق)) (٢/ ١٧٥).
(٦) ((المعجم العربي الحديث – لاروس)) (ص١٢٧٦).
(٧) انظر ((الصواعق المرسلة)) (٢/ ١٧٥، ١٧٦).
(٨) انظر ((الصواعق المرسلة)) (٢/ ١٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>