للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشبهة الثالثة: يقول القاضي عبدالجبار: "ومن الأدلة على أن العباد خالقون أفعالهم قوله تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ... الآية [ص: ٢٧]. ثم قال: فقد نفى الله تعالى أن يكون في خلقه باطل، فلولا أن هذه القبائح وغيرها من التصرفات من جهتنا ومتعلقة بنا؛ وإلا كان يجب أن تكون الأباطيل كلها من قبله، فيكون مبطلاً كاذباً – تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً" (١).

مناقشة الشبهة: إن معنى الآية أن الله – سبحانه وتعالى – ما خلق السماوات والأرض وما بينهما – عبثاً ولعباً – على ما يتوهمه من زعم أنه لا حشر، ولا نشر، ولا ثواب، ولا عقاب، بل خلقهما بالحق للاعتبار بهما والاستدلال على خالقهما؛ ومن ثم إثابة المتقين الطائعين، ومجازاة المذنبين والكافرين. ولذا قال تعالى – بعدها -: ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [ص: ٢٧] يعني من إنكارهم الثواب والجزاء والعقاب (٢) ....

وعلى ذلك فقولهم: إن معنى الآية "نفي أن يكون في خلقه باطل غير صحيح"، وإذا كان غير صحيح؛ بطل استدلالهم بالآية. والله أعلم.

الشبهة الرابعة:

قال تعالى: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ... الآية [السجدة: ٧].

وجه الاستدلال: يقول القاضي عبدالجبار: "لا تخلو الآية؛ إما أن يكون المراد بها أن جميع ما فعله الله سبحانه وتعالى فهو إحسان أو المراد بها أن جميعه حسن. ولما كان لا يجوز أن يكون المراد بها الإحسان؛ لأن في أفعاله تعالى ما لا يكون إحساناً كالعقاب، فليس إلا أن المراد بها الحسن؛ لأن في أفعاله تعالى ما لا يكون إحساناً كالعقاب، فليس إلا أن المراد بها الحسن على ما نقول. إذا ثبت هذا ومعلوم أن أفعال العباد تشتمل على الحسن والقبيح، فلا يجوز أن تكون مضافة إلى الله تعالى" (٣).

مناقشة الشبهة: يقال لهم: ليس "أحسن" من معنى "حسن"؛ وإنما معناها أنه يحسن ويعلم كيف يخلق، كما يقال: فلان يحسن الظلم، ويحسن السفه، ويحسن فعل الخير والجميل، أي: يعلم كيف يفعل ذلك (٤).يقول ابن الجوزي: "قوله تعالى: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ... الآية [السجدة: ٧]. أي: لم يتعلمه من أحد كما يقال: فلان يحسن كذا، إذا علمه، قاله مقاتل والسدي" (٥). وعلى ذلك؛ فقولهم: إن أحسن من معنى حسن باطل؛ وعليه فيبطل استدلالهم بالآية. والله أعلم.

ثانياً: الشبهات العقلية:

من الشبهات العقلية التي تمسك بها المعتزلة في قولهم: إن العباد يخلقون أفعالهم، ما يلي:


(١) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص٣٦٢).
(٢) ((التسهيل)) لابن جزي (٣/ ٤٠٠)، والطبري (٢/ ١٧٣)، والقرطبي (٥/ ١٩١)، و ((التمهيد)) (ص٣١٢) بتصرف.
(٣) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص٣٥٧).
(٤) ((التمهيد)) (ص٣١٢).
(٥) ((زاد المسير في علم التفسير)) (٦/ ٣٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>