للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيا: إن وقوع الكسب من الخلق على حسب القصد منهم، لا يدل على أنه خلق لهم ... ودليل ذلك: أن مشي الفرس مثلاً ... يحصل على قصد الراكب وإرادته من عدو وتقريب ... ووقوف إلى غير ذلك. ولا يقول عاقل: إن الراكب خلق جري الفرس ولا سرعتها ولا غير ذلك من أفعالها، فبطل أن يكون حصول الفعل على قصد الفاعل دليلاً على أنه خلقه. ومثل ذلك السفن يحصل سيرها وتوجهها في السير يميناً وشمالاً على حسب قصد الملاح، ولا يدل ذلك على أن الملاح خلق سير السفن ولا توجهها. فإن كابروا الحقائق وقالوا: نقول: إن ذلك خلقه الملاح والفارس، فقد خرجوا عن الدين وسووا بين الخالق والعباد في أن قدرة كل واحد منهما تتعلق بمقدورات، وهذا كفر صراح. وإن قالوا: حركات السفن تقع على حسب قصد الملاح، وليست بخلق له قلنا: فكذلك أفعال أحدنا قد تقع – ولا نقول: إنها تقع في كل حال – على حسب قصده، ولا يدل ذلك على أن خلقها ... يؤكد ذلك – أيضاً – أن نمو الزرع يحصل على حسب قصد الزارع وقيامه عليه بسقيه، وغير ذلك، ولا يقول أحد أن نمو الزرع خلقه الزارع .. وإن كان حاصلاً على حسب إرادة القائم عليه وقصده؛ وكذلك فيما يحصل من الواحد منا إذا أراد الله تعالى حصوله على حسب قصده لا يدل على أنه هو خلقه، بل الخالق له هو الله تعالى (١).

ثالثا: نحن لا نقول: إن العبد مجبور على أفعاله حتى يلزمنا ما ذكرتم بل نقول: إن العبد له قدرة ومشيئة لكنها تحت قدرة الله ومشيئته، كما بيناه عند الرد على الشبهة الأولى.

وإذا كان العبد غير مجبور على أفعاله، وأن له قدرة ومشيئة، فإن ما يحصل منه من تصرفات قد تقع على حسب قصده لا يمنع أن تكون بهذه القدرة التي أعطاه الله إياها، والتي لا تخرج عن قدرة الله الشاملة. وعلى ذلك فكون العبد يحصل له بعض التصرفات على حسب قصده لا يدل على أنه هو الخالق لأفعاله، وعليه فتبطل هذه الشبهة. والله أعلم.

الشبهة الثالثة: نفي الظلم عن الله تعالى:

ترى المعتزلة أن في القول بأن الله تعالى خالق أفعال العباد تجويراً له تعالى من وجوه، منها: أولاً: يقول القاضي عبدالجبار: "وأحد ما يدل على أنه تعالى لا يجوز أن يكون خالقاً لأفعال العباد؛ هو أن في أفعال العباد ما هو ظلم وجور، فلو كان تعالى خالقاً لها؛ لوجب أن يكون ظالماً جائراً تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً" (٢).ثانيا: يروي شارح الطحاوية أن المعتزلة قالوا: " ... كيف يستقيم الحكم على قولكم بأن الله يعذب المكلفين على ذنوبهم، وهو خلقها فيهم؟ فأين العدل في تعذيبهم على ما هو خالقه فيهم؟! ... " (٣).

المناقشة:

أولاً: الرد على القسم الأول من الشبهة:


(١) ((الإنصاف)) (ص١٥٣، ١٥٤)، بتصرف.
(٢) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص٣٤٥).
(٣) ((شرح الطحاوية)) (ص٤٩٧)، وانظر ((المغني في أبواب العدل والتوحيد)) (٨/ ١٧٣ - ١٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>