١ - إن الزيادة والنقصان في الإيمان نسبية بين الأشخاص فزيد أكثر إيمانا من عمرو، لأن زيدا غني فهو مكلف بأمر زائد وهو الزكاة التي لم يكلف بها عمرو لفقره. والشخص الواحد لا يزيد إيمانه بالطاعة وينقص بالمعصية: لأن المعصية أمر يخرجه من الإيمان بالكلية.
٢ - إن المعصية لا اعتبار لها في زيادة الإيمان ونقصه – كما ذهب إليه السلف لأنها عند المعتزلة تخرجه من الإيمان وتخلده في النار.
٣ - إن الزيادة في الكم الذي يكون بطاعات الجوارح وتكاليفها، أما الكيف فلا زيادة فيه ولا نقصان لاستواء المكلفين في وجوب التصديق القلبي الذي لا تجزئة فيه، ولعدم قبوله للزيادة والنقصان عندهم. وقد استدل المعتزلة على مذهبهم في زيادة الإيمان ونقصه من ناحية التكاليف بما تقدم وروده من آيات في النصوص التي نقلتها عن القاضي عبد الجبار ووجه استدلالهم بها:
أن الإيمان إذا كان عبارة عن تلك الخصال المذكورة، والناس يتفاوتون في التكليف بها، فإن الإيمان يزيد وينقص من هذا الوجه، أما الأحاديث التي ذكرها فإن وجه استدلاله بها على هذا الرأي غير واضح لأن السرقة كبيرة وعندهم يسلب صاحبها اسم الإيمان ويخلد في النار، وكذلك ترك الأمانة، والتكليف بها واحد بين الناس. فجميع المسلمين مكلفون باجتناب السرقة لما فيها من اعتداء على أموال الغير، وكذلك واجب على الكل مراعاة التخلق بالأمانة والاتصاف بها. نعم استدل السلف بهذين الحديثين وأمثالهما على زيادة الإيمان ونقصه، ولكنهم لا يرون سلب مرتكب الذنب الكبير من الإيمان بالكلية، والقول بتخليده في النار كما فعل المعتزلة، لذلك كان استدلالهم سائغا مقبولا، فإذا هذه الأحاديث وأمثالها حجة على المعتزلة لا لهم.
وجعل المعتزلة ترك السرقة وفعل الأمانة من الإيمان لا غبار عليه ولا اعتراض، ولكن كيف يقال: إن الناس المتفاوتين في ترك السرقة متفاوتون في الإيمان، مع أن السرقة أمر محرم واجب على جميع المكلفين اجتنابه، وعلى مذهب المعتزلة فاعل السرقة لم يعد مؤمنا فكيف يقال بأن الإيمان تاركها أكثر من إيمانه مع أن فاعلها لم يعد معه إيمان يمكن المفاضلة بينه وبين إيمان التارك. فإذا مثل هذين الحديثين لا دليل فيه للمعتزلة بل دليل عليهم، لأن فيها نفي للكمال الدال على وجود الإيمان الناقص، والله أعلم.
المصدر:الإيمان بين السلف والمتكلمين لأحمد الغامدي – ص ١٢٩