للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتلك الحقيقة يعيها كل مسلم إلا من فسدت فطرته وانحرف واتبع هواه كالرافضة الذين ذهبوا يسبونهم ويكفرونهم مضادة للآية الكريمة: وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ [الحشر:١٠] ولهذا فقد كان ابن حزم رحمه الله حينما يدحض النصرانية ويثبت لهم تحريف كتابهم يستدلون عليه أن المسلمين أيضاً أثبتوا أن في القرآن تحريفاً وزيادةً ونقصاً فيقول لهم لا تحتجوا بكلام الرافضة واحتجوا بكلام المسلمين أو نحو ذلك لمعرفته التامة بأنه لا يمكن أن يقدم مسلم يؤمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً أن يدعي بأن هذا القرآن الموجود بين أيدينا قد تخلى الله عن وعده بحفظه أو أنه سلط عليه من يغيره ويبدله فإن من اعتقد حدوث هذا فقد خرج عن الإسلام إن كان يدعيه وكفر به.

وقوف السلف عند حدود النص

أما بالنسبة لوقوف السلف عند حدود النص وعدم الخوض فيما لا مجال للعقل فيه فهذا دليل من أقوى الأدلة على عمق فهمهم وقوة ذكائهم وحرصهم على ما ينفعهم في دينهم, به يظهر صدق متابعتهم لنبيهم عليه الصلاة والسلام وحرصهم على إقامة سنته والبعد عن ما يكدرها فقد علموا أن العقل من أكبر نعم الله على عباده وأن الله جعله عوناً لصاحبه وربط الله به كثيراً من القضايا ونوّه به وبعلو شأنه ولكن السلف مع هذا يعلمون علم اليقين أن العقل له حد ينتهي إليه فإذا تجاوزه انقلب إلى الجهل والحمق سنة الله في خلقه وإن تكلف الأمور التي لا سبيل لمعرفتها إلا عن طريق النص يعتبر تعدياً وظلماً وقد يجر إلى القول على الله بغير علم والكذب عليه مع أنهم ليسوا في حاجة إلى ذلك فإن السنة واضحة ونهج من سبقهم فيها واضح وقد يجر كذلك إلى إحداث البدع وهو الأمر الذي ينفر منه السلف أشد نفور ويحذرون منه أشد تحذير فطالما جر عدم الوقوف عند النصوص إلى إحداث البدع والخرافات بل وإماتة كثير من السنن كما هو الحال عند أصحاب الأهواء وعباد العقول وتقديمهم لها على النصوص,. وكم من الفظائع والمآسي ارتكبت بسبب عدم فهم النصوص كما يحدثنا عنها التاريخ بل وإن تكفير أهل البدع بعضهم بعضاً ودليلهم واحد لهو أقوى الأدلة على مضار عدم فهم النصوص إذ إنه لا يوجد أي نص يؤدي إلى تكفير العاملين به بعضهم بعضاً وهو أمر معروف بداهة.

إعراض السلف عن أهل البدع

أما إعراضهم عن أهل البدع وعن مخالطتهم فقد أصبح أمراً معلوماً بالضرورة عند أهل السنة فقد حذروا من مجالسة أهل البدع والاستماع إليهم لعلمهم أن أصحاب البدع يوردون شبهات يضللون بها العامة قال تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ [الأنعام:٦٨].

<<  <  ج: ص:  >  >>