للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويجيبنا الغزالي عن سبب ذمهم للعقل "فإن قلت فما بال أقوام من المتصوفة يذمون العقل والمعقول فاعلم أن السبب فيه أن الناس نقلوا اسم العقل والمعقول إلى المجادلة والمناظرة بالمناقضات والإلزامات وهو صنعة الكلام فلم يقدروا على أن يقرروا عندهم أنكم أخطأتم في التسمية إذ كان ذلك لا ينمحي عن قلوبهم بعد تداول الألسنة به ورسوخه في القلوب فذموا العقل والمعقول وهو المسمى به عندهم" (١).

ولعل بطلان مذهب هذه الفرقة ظاهر إذ أنها لا تستند إلى شرع ولا إلى عقل وإلى هذا يرجع فيما أرى سبب عدم اشتهارها فلذا لم يهتم بها أحد من العلماء. أما أنها لا تستند إلى شرع فإن جل ما استندوا إليه الحديثان السابقان وهما ضعيفان أما الأول فلأن في سنده مصعب بن ماهان قال في التقريب (٢) صدوق عابد كثير الخطأ، وفيه أيضاً أحمد بن عيسى الخشاب قال ابن عدي له مناكير ثم ساق له هذا الحديث. أما الحديث الثاني فقال ابن عدي منكر (٣) وقال المناوي "ووجه ضعفه ما قاله الهيتمي أن فيه سلامة بن روح وثقه ابن حبان وغيره وضعفه أحمد بن صالح وغيره وقال ابن الجوزي "لا يصح" وقال الدراقطني تفرد به سلامه عن عقيل وهو ضعيف" (٤).ثم إنه لا يراد بالأبله – الذي لا عقل له – بل المراد به الغافل عن الشر المطبوع على الخير (٥).

وأما أنها لا تستند إلى عقل فلمنافاتها له وإسقاطها لقيمته. وكما قلنا أن بطلان مذهب هذه الفرقة ظاهر لا يحتاج إلى طويل جدال وإنما ذكرته لإعطاء صورة عن تفاوت المذاهب في تلك الفترة في كل أمر مهما كان وضوح الحق فيه. هذا ما ذهبت إليه تلك الفرقة. وذهبت فرق أخرى إلى المبالغة في تقديس العقل وإعطائه أكثر من حقه في مقابلة الأمور والاعتقادات الشرعية. وأكثر من اشتهر عنها هذه الطريقة فرقة "المعتزلة" حتى أطلق عليهم المستشرقون اسم "العقليين" (٦) لذا فإني أعتبر هذه المدرسة المدرسة العقلية الأولى – كما ذكرنا سابقا – وهي المدرسة العقلية القديمة بالنسبة للمدرسة العقلية الحديثة موضوع بحثنا. نظراً للصلة بين المدرستين ينبغي لنا أن نلم بالقديمة دراسة تاريخها وأصولها ومناهجها حتى يتسنى لنا أن نعرف مدى ارتباط المدرستين ببعض وجوه الشبه ووجوه الاختلاف بينهما.

المصدر:منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير لفهد الرومي - ص ٤٠


(١) ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (١/ ٩٤).
(٢) ((تقريب التهذيب)) بن حجر العسقلاني ت عبدالوهاب عبداللطيف (٢/ ٢٥٢).
(٣) ((فيض القدير شرح الجامع الصغير)) للمناوي (٢/ ٧٩).
(٤) ((فيض القدير شرح الجامع الصغير)) للمناوي (٢/ ٧٩).
(٥) ((المصنوع في معرفة الحديث الموضوع)) علي القاري الهروي (ص٣١).
(٦) ((ضحى الإسلام)) أحمد أمين (٣/ ٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>