للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذلك طعن بكذب عبد الله بن مسعود في حادثة رؤيته لانشقاق القمر، فقال: كيف لم يشهد ذلك معه أحد ولم يسلم عندها كافر!؟ وفي هذا تكذيب لكتاب الله تعالى الذي فيه اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:١] إذ لو كان مراده فيما بعد فما معنى قوله وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ [القمر:٢] بعقب هذا الكلام" ولماذا لا تكون الآية بحيث يراها الواحد أو الاثنان فقط! ألا إنه حكم العقل حين يستقل عن الشرع فيضل ويخزى. كما طعن على ابن مسعود في حديث ((الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره)) والحديث صحيح رواه مسلم (١)., والإيمان بالقدر واجب وإنما المذهب أداه لذلك! كما أكذبه في رؤية الجن ليلة الجن، كذلك زعم أن عمر بن الخطاب قد شك في دينه يوم الحديبية، وشك يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه ضرب فاطمة ومنع ميراث أهل البيت! وزعم أنه ابتدع صلاة التراويح وأنه حرم نكح الموالي للعربيات، وعاب على عثمان بن عفان إيواءه الحكم بن العاص في المدينة، وأنه استأثر بالحمى (٢). أما عن عمرو بن عبيد كبير المعتزلة وزاهدهم فقد روى الشاطبي: "وقال عمر بن النضر، سئل عمرو بن عبيد يوما عن شيء – وأنا عنده – فأجاب فيه، فقلت له: ليس هكذا يقول أصحابنا، قال: ومن أصحابك لا أبا لك؟ قلت: أيوب ويونس وابن عون والتيمي، قال: أولئك أنجاس الناس أموات غير أحياء. وقال ابن علية: حدثني اليسع قال تكلم واصل بن عطاء يوما. قال فقال عمرو بن عبيد: ألا تسمعون إلا خرقة حيضة ملقاة" (٣).وقد زعم كل من واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد أن إحدى الطائفتين يوم الجمل فاسقة – إما طائفة علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر والحسن والحسين وأبي أيوب الأنصاري أو طائفة عائشة وطلحة والزبير – ورد شهادة هؤلاء الصحابة فقالوا: لا تقبل شهادتهم (٤).

وقد قال تعالى في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح: ١٨]. وقال تعالى فيهم: مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الفتح: ٢٩] وقد اتفق العلماء على عدالة جميع الصحابة، قال الغزالي: "والذي عليه سلف الأمة وجماهير الخلف أن عدالتهم معلومة بتعديل الله عز وجل إياهم وثنائه عليهم في كتابه، فهو معتقدنا فيهم إلا أن يثبت بطريق قاطع ارتكاب واحد لفسق مع علمه بذلك، وذلك مما لا يثبت فلا حاجة لهم إلى التعديل" (٥).

وأما ما شجر بينهم فإن أهل السنة لا يخوضون فيه، بل يعتقدون أن كلهم مجتهد مأجور يبتغي ثواب الآخرة ورضى الله تعالى عنهم فمنهم من أصاب ومنهم من أخطأ.

المصدر:المعتزلة بين القديم والحديث لمحمد العبده وطارق عبد الحليم – ص ٩٧


(١) ((صحيح مسلم)) (٢٦٤٥).
(٢) ((تأويل مختلف الحديث)) (١٧) وبعدها، ((الفرق بين الفرق)) (١٤٧) وبعدها.
(٣) ((الاعتصام للشاطبي)) (١/ ٢٣٢).
(٤) ((الفرق بين الفرق)) (١٢٠).
(٥) ((المستصفى)) للغزالي (١/ ١٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>