للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في الرد على المعتزلة في قولهم بأن الحكمة لا يعود إليه تعالى منها حكم، ولا قام به فعل ولا نعت: "أنتم – أيها المعتزلة – متناقضون في هذا القول لأن الإحسان إلى الغير محمود لكونه يعود منه على فاعله حكم يحمد لأجله، إما لتكميل نفسه بذلك، وإما لقصده الحمد والثواب بذلك، وإما لرقة وألم يجده في نفسه يدفع بالإحسان ذلك الألم. وإما لالتذاذه وسروره وفرحه بالإحسان، فإن النفس الكريمة تفرح وتسر وتلتذ بالخير الذي يحصل منها إلى غيرها، فالإحسان إلى الغير محمود؛ لكون المحسن يعود إليه من فعله هذه الأمور حكم يحمد لأجله. أما إذا قدر أن وجود الإحسان وعدمه بالنسبة إلى الفاعل سواء لم يعلم أن مثل هذا الفعل يحسن منه، بل مثل هذا يعد عبثا في عقول العقلاء، وكل من فعل فعلا ليس فيه لنفسه لذة ولا مصلحة ولا منفعة بوجه من الوجوه لا عاجلة ولا آجلة كان عبثا، ولم يكن محمودا على هذا. وأنتم عللتم أفعاله فرارا من العبث فوقعتم في العبث، فإن العبث هو الفعل الذي ليس فيه مصلحة ولا منفعة ولا فائدة تعود على الفاعل" (١).فقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية تناقض المعتزلة، لأنهم يوجبون أن تكون أفعال الله تعالى لحكمة هي الإحسان إلى الغير دون أن يعود إلى الله من ذلك حكم ويقرر أن الفاعل ما لم يعد عليه من فعله فائدة ولا منفعة ولا مصلحة، فإنه يعد عبثا، ومقصوده بما يعود إلى الله هو حبه ورضاه لتلك الحكم والمصالح، ولا يصح أن يقال: إنه يعود إليه نفع من تلك الحكم لأنه تعالى منزه عن الاحتياج والانتفاع بالغير" (٢).

٢ - ثم إن المعتزلة أوجبوا على الله تعالى بمقتضى الحكمة أمورا ومنعوا عليه أمورا لمخالفتها لمقتضى الحكمة، فمما أوجبوا عليه فعل الصلاح وأوجب بعضهم الأصلح للعباد. كما أوجبوا اللطف وإثابة المطيع ومعاقبة العاصي والعوض عن الآلام. وقد نازعهم في ذلك الماتريدية بناءً على منع كون مقابلاتها خلافاً للحكمة (٣).

كما لم يوافقهم السلف على إيجاد هذه المذكورات لأنه لا يجب عليه تعالى إلا ما أوجبه على نفسه.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا المقام:"وأما الإيجاب عليه سبحانه وتعالى والتحريم بالقياس على خلقه، فهذا قول القدرية. وهو قول مبتدع مخالف لصحيح المنقول وصريح المعقول (٤).

٢ - كما أن إطلاق المعتزلة لفظ "الغرض" بمعنى الحكمة في حق الله تعالى، وتسمية الحكمة غرضاً لا يوافق عليه السلف.

المصدر:الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى لمحمد المدخلي - ص ٥٠


(١) ابن تيمية، ((مجموعة الرسائل والمسائل))، رسالة أقوم ما قيل في الحكمة والتعليل (ص١١٩ - ١٢٠).
(٢) محمد عبده، ((حاشيته على شرح الجلال على العضدية)) (ص ١٧٧).
(٣) الكمال بن الهمام، ((المسايرة)) (ص: ١٥٥) مطبوع مع الشرح.
(٤) ابن تيمية، ((اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم)) (ص ٤٠٩ - ٤١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>