للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبين أن فريقاً من المؤمنين جاؤوا من بعدهم دائماً يتوسلون إلى الله تعالى أن يغفر لهم ولإخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان وهي صفة عظيمة تدل على فطر سليمة ونفوس طاهرة وقد اتصف السلف بهذه الصفة الطيبة وحققوها في أكمل صورها كما اتصف مبغضوهم بعكسها تماماً فقد ظهر حثالة البشر من الرافضة النواصب والخوارج وسائر من ألحد وخرج عن هدي السلف ظهر هؤلاء يسبون الصحابة ويفترون عليهم وعلى سائر السلف مما يدل على أنهم ليسوا على طريق هؤلاء الكرام الذين يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان وبدلاً من قيامهم بهذا الواجب من الاستغفار لهم ذهبوا يكيلون التهم ويدعون عليهم ويستهزئون بهم محادة لله تعالى وهذه دلالة قاطعة على جهل هؤلاء بسيرة السلف الصالح بل وبأمر الله تعالى في هذا.

٢ - ثناء الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم

أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم ثناءً عاطراً على الصحابة الكرام ويكفيهم فخراً أنه كان راضياً عنهم محباً لأخلاقهم خصوصاً أولئك الذين نصروه في ساعة العسرة باذلين أموالهم وأنفسهم وأولادهم حباً فيه وفي رفع هذا الدين العظيم حتى أتم الله لهم ودخل الناس في دين الله أفواجاً فلهم الفضل بعد الله على سائر البشر, وسائر الناس مدينون لهم بالشكر والتقدير إذ لولا فضل الله ثم قيام أولئك بنصرة الإسلام لما وصل إلى ما وصل إليه ولهذا فكل منتسب إلى الإسلام مدين لهم بالشكر والتقدير ومن ثناء الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم:- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء فسبه خالد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبوا أحداً من أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه)) (١) وذلك لامتياز عبد الرحمن بن عوف بالأسبقية إلى الإسلام وتأخر خالد إلى ما بعد بيعة الرضوان فإن حال الذين أسلموا بعد الحديبية وإن كان قبل فتح مكة لكنهم ليسوا على درجة من سبقهم في الفضل وفي مضاعفة الحسنات لهم فإن نصف مد منهم أجره أعظم من أجر من تصدق بمثل أحد ذهباً لو حصل ذلك فكيف بحال من ظهر في قرون الشر وصار ينتقص كل أولئك الصحابة.- وورد في (الصحيحين) عن عمران بن حصين وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)). قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة (٢) - وفي (صحيح مسلم) عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد من الذين بايعوا تحتها)) (٣)

كما أثنى الله تعالى وأثنى رسوله صلى الله عليه وسلم على بعض الصحابة بخصوصهم مثل أبي بكر وعمر وعلي وعثمان وابن مسعود وأبو عبيدة وأبو ذر ومعاذ بن جبل وغيرهم ممن صحت فيه النصوص.

وأجمع علماء الإسلام على عدالتهم وفضلهم والمفاضلة بينهم من دون انتقاص أحد منهم وإنما هو تفضيل كتفضيل بعض الأعضاء على البعض الآخر منها وتلك المفاضلة بين الصحابة تعود إلى الأسبقية في صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم الإيمان والبذل في سبيل الله إرضاء الله ثم لنبيه الكريم في الدفاع عنه وعما جاء به من الحق وإذا كان هذا حال الصحابة فما هو حال من لا يساوي شيئاً بالنسبة لهم.

٣ - ثناء السلف عليهم- وبهذا المعنى ورد أنه قيل لعائشة رضي الله عنها أن ناساً يتناولون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أبا بكر وعمر فقالت: وما تعجبون من هذا انقطع عنهم العمل فأحب الله أن لا يقطع عنهم الأجر (٤).

- وقد وصفهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بقوله: إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه وابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن وما رأوه سيئاً فهو عند الله سيء (٥) ...

المصدر:فرق معاصرة لغالب عواجي ١/ ١٥٢


(١) رواه البخاري (٣٦٧٣)، ومسلم (٢٥٤١).
(٢) رواه البخاري (٢٦٥٢)، ومسلم (٢٥٣٣).
(٣) رواه مسلم (٢٤٩٦). من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أخبرتني أم مبشر رضي الله عنها أنها سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة رضي الله عنها ثم ذكرت الحديث.
(٤) انظر ((العقيدة الطحاوية)) (٥٣٠).
(٥) رواه أحمد (١/ ٣٧٩) (٣٦٠٠)، والطبراني (٩/ ١١٢). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١/ ١٧٧): رواه أحمد والبزار والطبراني ورجاله موثقون. وقال الألباني في ((السلسلة الضعيفة والموضوعة)) (٥٣٢): والأصح وقفه على ابن مسعود. وقال في (٥٣٣): لا أصل له مرفوعا وإنما ورد موقوفاً على ابن مسعود رضي الله عنه. وقال شعيب الأرناؤوط محقق ((المسند)): إسناده حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>