للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الآيات التي تناولها بنوع من التفسير فقليل جداً كما ذكرنا توجد بين ثنايا بعض مقالاته فمن ذلك قوله:"قرأت في القرآن أمراً تغلغلت في فهمه روحي وتنبهت إليه بكليتي وهو وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة: ٣٠] فاندهشت الملائكة لهذا النبأ ولهذه المشيئة الربانية إذ علمت أن ذلك الخليفة سيكون الإنسان وأن ذلك الإنسان – الخليفة – سيصدر منه موبقات وسيئات أعظمها وأهمها أنه "يسفك الدماء "فقالت بملء الحرية المتناسبة مع الملأ الأعلى وعالم الأنوار والأرواح الذي لا يصح أن يكون هناك شيء من رياء ونفاق أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء [البقرة: ٣٠] ووقفت الملائكة عند هذا الحد من الطعن في الإنسان ولم تذكر باقي السيئات من أعماله إذ رأتها لغوا بالنسبة لهذين الوصمين الفساد وسفك الدماء" ثم يمضي في التفسير على هذا المنوال إلى أن يقول "وبأبسط المعاني أن الله تعالى أفهم الملائكة أنكم علمتم ما في خليفتي في الأرض وهو الإنسان من الاستعداد لعمل الفساد وسفك الدماء وجهلتم ما أعددته لصونه وصرفه عن الإتيان بالنقيصتين المذكورتين ألا وهو العلم فقال وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة: ٣١] " (١).ويفسر آيات أخرى فيقول "غضب سليمان عليه السلام على الهدهد إذ تفقده ولم يجده فلما حضر قال وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ [النمل: ٢٢] – غير ملفق ولا مشوب بكذب كما تفعل أكثر الجواسيس مع الملوك والحكام إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ [النمل: ٢٣] دينهم ومعتقدهم وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ [النمل: ٢٤] " ثم يقول بعد ذلك "فلما جاء الكتاب إلى ملكة سبأ جمعت فوراً مجلس الأمة قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ [النمل: ٣٢] وبعد أن تداول مجلس الأمة – الوزراء اليوم مثلا – واستخرجوا إحصاءً من سجلاتهم بما عندهم من المعدات الحربية أعلنوا الملكة وأنبؤوها أنه من إمكانهم محاربة سليمان بما توفر لديهم من القوة إذا هي وافقت على إعلان الحرب قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ [النمل: ٣٣]، ثم يمضي بعد فيقول "فرد سليمان الهدية وتحفز لإخراج الملكة وقومها أذلة بالحرب وأراد أن يريها ما لديه من القوى وما تسخر له من رياح يمتطيها وتجري بأمره – طيارات مثلاً – وسرعة نقل الأخبار والأشياء بأسرع من البرق – التلغراف اللاسلكي مثلاً" (٢).وكان يشطح في تفسيره فيفسر الربا المحرم في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً [آل عمران: ١٣٠] بـ "جواز الربا المعقول الذي لا يثقل كاهل المديون ولا يتجاوز في برهة من الزمن رأس المال ويصير أضعافاً مضاعفة" (٣).ويفسر "جد" في قوله تعالى وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا [الجن: ٣] أن جد معرب "كد" ومعناه العرش بالفارسية أو الهندية" (٤).


(١) ((خاطرات جمال الدين الأفغاني)) (ص٩٢ - ٩٣).
(٢) ((خاطرات جمال الدين الأفغاني)) (ص١٠٠ – ١٠١).
(٣) ((جمال الدين الأفغاني)) محمود أبو رية (ص ٩٨).
(٤) ((جمال الدين الأفغاني)) عبدالقادر المغربي (ص ١١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>