للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد بدأ السيد الأفغاني نشاطه السياسي في أفغانستان حيث انضم على محمد أعظم ضد شير علي، على ما أشرنا إليه في أول الترجمة. أما في مصر فقد وصلها الأفغاني في عهد الخديوي إسماعيل سنة ١٨٧١م وكان الحكم حينئذ – كما يقول المؤرخ عبدالرحمن الرافعي – حكما استبدادياً لا مجال فيه للحرية. حقاً إن إسماعيل أنشأ سنة ١٨٦٦م مجلساً سمي مجلس شورى النواب ولكنه مجلس استشاري لا يملك سلطة" (١).فبدأ الأفغاني أول ما بدأ ببث الوعي السياسي بين طلابه وكانوا يتناقلون ما يقول بينهم فاستيقظت مشاعر وانتبهت عقول وخف حجاب الغفلة في أطراف متعددة من البلاد وسرى هذا الشعور إلى بعض الجرائد واستحدثت أخرى فتنافس الكتاب وكثر أرباب الأقلام (٢).ومنذ ذلك الحين طارت الشرارة الأولى من شرارات الثورة العرابية (٣) وقد بذل السيد جمال الدين كل ما في وسعه للقضاء على الخديوي إسماعيل لاتفاقه مع ولي عهده توفيق باشا على الإصلاح إذا صار الأمر إليه بل ووصل الأمر إلى تدبير خطة لاغتياله لم تنفذ – كما يقول محمد عبده – لعدم وجود الشخص الذي يتكفل بذلك "وأشار إلى هذا بلنت في تاريخه السري لاحتلال انجلترا (٤) مصر (٥) واعتراف بهذا الإمام نفسه.

وانتهى نشاط الأفغاني السياسي في مصر بعد أن تنازل الخديوي إسماعيل لتوفيق باشا الذي تنكر لجمال الدين وأمر بنفيه.

ثم ظهر نشاطه السياسي مرة أخرى في باريس التي أنشأ فيها مجلة (العروة الوثقى) فجعلها منبراً لمحاربة الاستعمار البريطاني بحماس شديد. وفي الحقيقة أنه لم يتضح لي مع هذا حقيقة علاقته بالإنجليز فبينما كان يؤلب عليهم الناس في مصر حتى يقوموا بالثورة العرابية .. ويحرض مفتي إيران على تحريم الدخان لإبطال احتكار الإنجليز له في إيران تمهيداً لاحتلالها ويكتب في صحف روسيا وينشئ (العروة الوثقى) التي تحارب الإنجليز أينما حلوا وتشنع عليهم وهو مع هذا يسرح في بلادهم ويمرح ويتردد بين لندره وباريز بل وينشئ في لندن مجلة (ضياء الخافقين) بالعربية والإنكليزية فيحارب الإنجليز في بلادهم وبلغتهم ومع هذا يسكت عنه الإنجليز!! صحيح أنهم أدوا إلى تعطيل (العروة الوثقى) لكن صاحبها لا يجد مانعا من اللجوء إلى سفير بريطانيا في الآستانة ليساعده على الخروج منها (٦) ولا تجد انجلترا مانعا قبل ذلك من عرضها له لتوليه السلطة في السودان (٧) ويتساءل الدكتور محمد محمد حسين لماذا كانت عداوته الشديدة للاستعمار الإنجليزي دون الفرنسي والهولندي فلم ترد في صحيفة (العروة الوثقى) إشارة للاستعمار الفرنسي للجزائر كما لم ترد فيها إشارة للاحتلال الهولندي لإندونيسيا ولم تشر إلا إشارة عابرة لاحتلال الهند الصينية (٨).

أما نشاطه السياسي في إيران فقد أشرنا في رحلاته إلى بعضه ونذكر هنا مظاهر ثورته السياسية على نصر الدين شاه بعد أن رفض قانونه ونفاه من إيران إلى البصرة وقد تمثلت هذه المظاهر بـ:


(١) ((جمال الدين الأفغاني)) عبدالرحمن الرافعي (ص ٢١).
(٢) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) للسيد محمد رشيد رضا (ص ٣٧ - ٣٨).
(٣) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) رشيد رضا (١/ ٤٧).
(٤) كتب على غلاف هذا الكتاب (راجعه ووافق على ما فيه الشيخ محمد عبده).
(٥) ((التاريخ السري لاحتلال انجلترا مصر)) المستر بلنت وراجعه ووافق على ما فيه الشيخ محمد عبده. (ص ٥٩).
(٦) ((تاريخ الأستاذ الإمام)) (١/ ٧٢).
(٧) ((جمال الدين الأفغاني)) محمود أبو رية (ص: ٥٣).
(٨) ((الإسلام والحضارة الغربية)) محمد محمد حسين دار الإرشاد بيروت الطبعة الأولى ١٣٨٨هـ ١٩٦٩م (ص ٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>