وفيما يتعلق بالقول بأن طلحة والزبير رضي الله عنهما كانا أول الخارجين على علي – كما يقول الورجلاني – فمن الصعب عليه إثبات ذلك. فقد كان معهما أم المؤمنين عائشة ومن معهم من المسلمين، وعلى كل فقد انتهت موقعة الجمل واندمج من بقي منهم في صفوف المسلمين دون أن تجمعهم رابطة فكرية معينة كتلك التي حدثت بين الخوارج على علي في جيشه فيما بعد، وكان خروجهم باسم المطالبة بدم عثمان رضي الله عنه فإذا كان قد بدئ الخروج على علي بخروج أصحاب موقعة الجمل فإنه لا ينطبق عليهم مصطلح الخوارج كطائفة لها اتجاهها السياسي وآراؤها الدينية الخاصة، وطلحة والزبير من العشرة الذين بشرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة، فكيف يجوز أن يعتبرا من الخوارج ويطبق عليهما أحاديث المروق الواردة في الخوارج؟!
أما القول بأن نشأتهم تبدأ من قيام نافع بن الأزرق فإنه لم يقل به غير علي يحيى معمر تبعا لقطب الأئمة الإباضية أبي إسحاق أطفيش لنفيهم وجود صلة ما بين المحكمة ومن ثار على طريقتهم وبين الأزارقة بعدهم، وهو قول غير مقبول لوجود تسلسل الأحداث وارتباطها من المحكمة إلى ظهور نافع بن الأزرق بحيث يظهر أن الأولين هم سلف الخوارج جميعا، كما سنبين هذا عند الكلام عن حركات الخوارج وفرقهم.
وهكذا يتضح الفرق بين مجرد وجود نزعة الاعتراض أو الثورة خروجا عن طاعة الإمام، وبين الخروج في شكل طائفة لها اتجاهها السياسي وآراؤها الخاصة؛ كخروج الذين خرجوا على علي رضي الله عنه منذ وقعة صفين، وهم الذين ينطبق عليهم مصطلح الخوارج بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، وهذا هو القول الأخير الذي نختاره ونسير عليه في هذه الرسالة مؤرخين لهذه الطائفة دارسين لآرائهم.
والواقع أن هذا هو ما يشهد له واقع تلك الحركة التي أحدثت دويا هائلا في تاريخ هذه الأمة الإسلامية عدة قرون تميزت فيها بآراء ومعتقدات وأنظمة لفتت إليها أنظار علماء التاريخ والفرق الإسلامية، بخلاف ما سبقها من حركات فإنها لم يكن لها أثر فكري أو عقائدي يذكر.
المصدر:الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص٣٧