للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خرج إليه في أول الأمر ألف فارس من المرابطين في الجزيرة فهزمهم، ثم تتابعت الجيوش بعد ذلك على حربه فسارت إليه روابط الموصل فهزمهم، ثم سار إليه يزيد بن حاتم المهلبي فهزمه، وعجز الناس عنه فبعث إليه أبو جعفر المنصور مولاه المهلهل بن صفوان في ألفين من نخبة الجند فهزمهم، ثم وجه إليه آنذاك آخر خراسانيا يسمى نزارا فهزمهم، ثم وجه إليه صالح بن مشكان فهزمهم، ثم وجه إليه صالح بن صبيح فانهزم أيضا، ثم سار إليه حميد بن قحطبة فهزمه هو الآخر. فأرهب الناس وأهمهم أمره، ثم وجه إليه أبو جعفر عبد العزيز بن عبد الرحمن وضم إليه زياد بن مشكان فانهزما أيضا، فبعث إليه المنصور خازم بن خزيمة في ثمانية آلف فدارت بينهم معركة قتل في نهايتها ملبد وأكثر جيشه وهرب من بقي منهم متسللين بأنفسهم (١).

وقد خرج على المنصور أيضا أهل المغرب بقيادة أبو حاتم الإباضي. ويسمى يعقوب بن حبيب، وكان عامل تلك الجهة وهي طرابلس يسمى الجنيد بن بشار فكتب إلى عمر بن حفص القائد العام لإفريقية يستمده فأمده بعسكر التقى مع الإباضية في معركة فانهزموا أمام أبي حاتم إلى قابس، فلحقهم وحاصرهم فيها، ثم حاصر القيروان وكثر أتباعه وضيق عليها الحصار مدة ثمانية أشهر حتى أكلوا دوابهم وكلابهم. وفي هذه الأثناء جاءهم الخبر بوصول عمر بن حفص فاستبشروا وجاء عمر حتى نزل مكانا يسمى الهريش، فلما علم أبو حاتم ترك حصار القيروان وحول جمعه لملاقاة عمر، فلما علم بهم عمر، وكان في سبعمائة فارس ذهب إلى تونس فتبعه البربر فعاد إلى القيروان مسرعا وأدخل إليها كل ما يلزم من دواب وطعام وغير ذلك، فجاء أبو حاتم إلى القيروان وحاصرها كحصار المرة الأولى حتى أجهدها وكانوا في أثناء الحصار تحصل بينهم مناوشات غير مجدية، وهنا عزم عمر على منازلتهم كيفما كانت النتيجة ثم التحم معهم في معركة قتل فيها، فقام بالأمر بعده أخوه لأمه حميد بن صخر فوادع الثائرين ريثما يجيء مدد الخليفة المكون من ستين ألفا على رأسهم يزيد بن حاتم بن قتيبة ابن المهلب، ثم حصلت حروب عدة قضي فيها على تلك الحركات جميعها في معارك بلغت ٣٧٥ معركة فيما قيل (٢).ثم خرج الصحصح بالجزيرة على الرشيد، وكان عامله على الجزيرة يسمى أبو هريرة محمد بن فروخ فوجه إليه الصحصح جيشا ولكنه انهزم، ثم توسع الصحصح وخرج إلى الموصل فلقيه عسكرها واقتتلوا فقتل منهم كثيرا، ثم رجع إلى الجزيرة فسير إليه الرشيد جيشا القتوا به في دورين في معركة قتل فيها الصحصح وأصحابه (٣).

ثم خرج على الرشيد أيضا الوليد بن طريف التغلبي بالجزيرة واستولى عليها وعلى نصيبين ووصل إلى أرمينية وأذربيجان وحلوان وأراضي السواد، فوجه إليه الرشيد يزيد بن مزيد الشيباني وقد أراد يزيد أن يطاوله ليضعفه ويمكر به، إلا أن البرامكة كانت في نفوسهم حزازة عليه فقالوا للرشيد: إنما يتجافى يزيد عن الوليد للرحم لأنهما كليهما من وائل وأخذوا يهونون أمر الوليد فكتب إليه الرشيد كتاب مغضب وقال له: "لو وجهت أحد الخدم لقام بأكثر مما تقوم به ولكنك مداهن متعصب، وأقسم بالله إن أخرت مناجزته لأوجهن إليك من يحمل رأسك"، فقام يحرض أصحابه قائلا لهم: "فداكم أبي وأمي إنما هي الخوارج ولهم حملة فاثبتوا، فإذا انقضت حملتهم فاحملوا عليهم فإنهم إذا انهزموا لم يرجعوا"، ثم نشبت المعركة فقتل الوليد، فرثته أخته بقصيدة منها:

بتل تباثا رقم قبر كأنه ... على علم فوق الجبال منيف

ألا يا لقومي للنوائب والردى ... ودهر ملح بالكرام عنيف


(١) ([٨٣٠٢]) ((تاريخ الطبري)) (٧/ ٤٩٥، ٤٩٨).
(٢) ([٨٣٠٣]) ((الكامل)) لابن الأثير (٥/ ٥٩٩، ٦٠١).
(٣) ([٨٣٠٤]) ((الكامل)) لابن الأثير (٦/ ١١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>