وإلى جانب من ينكر عن الإباضية - ما عدا الحارثية منهم - حكمهم على مرتكب الكبيرة بكفر النعمة - نجد من ينسب إليهم القول بأنه منافق وأنهم يوافقون بذلك أهل السنة، وهذا هو ما يذكره علي يحيى معمر وغيره من الإباضية - كما سيأتي - من أن رأي الإباضية في مرتكب الكبائر أنه منافق وليس بمشرك، وأن أهل السنة والإباضية يتفقون ويلتقون لقاء كاملاً - كما قال- في أن مرتكب الكبيرة يدخل النار، وهذا في الآخرة، أما في الدنيا فأحكامه لا تختلف عن أحكام المسلمين، وأنهم في هذا تبع لرأي الحسن البصري. ونفى أن يكون رأي الإباضية في أهل الكبائر كرأي الخوارج، فإن الإباضية فيما يقول:" لا يرون رأي الخوارج وإنما يرون رأي الحسن البصري فيعتبرون مرتكب الكبيرة منافقاً وليس مشركاً، وهنا يلتقي الإباضية وأهل السنة لقاءً كاملاً بقطع النظر عن التسميات؛ فيتفقون جميعاً عن غيرهم من المسلمين". والواقع أن قول معمر باتفاق الإباضية وأهل السنة على دخول مرتكب الكبيرة النار ليس على إطلاقه، فأهل السنة يقولون: إنه تحت المشيئة إن شاء الله عذبه ثم أدخله الجنة وإن شاء عفا عنه. ثم إنه أغفل القول بالتخليد في النار وعدمه مكتفياً بحكمه على مرتكب الكبيرة بدخول النار، بينما رأينا أن الإباضية يحكمون بخلوده فيها كما هو مذهب عامة الخوارج، ويقول قطب الأئمة مفرقاًبين النفاق والشرك:"ونحن لا نتوقف في النفاق بل نجزم أنه غير شرك ونقطع بذلك".
بينما الأشعري يذكرأنهم لم يجزموا بحكم فيه بل اختلفوا على ثلاث فرق: الفرقة الأولى منهم يزعمون أن النفاق براءة من الشرك - زاد البغدادي قوله:"براءة من الشرك والإيمان جميعاً" -، واحتجوا في ذلك بقول الله عز وجل: مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء [النساء: ١٤٣].
والفرقة الثانية منهم يقولون: إن كل نفاق شرك لأنه يضاد التوحيد. والفرقة الثانية منهم يقولون: لسنا نزيل اسم النفاق عن موضعه وهو دين القوم الذين عناهم الله بهذا الإسم في ذلك الزمان ولا نسمي غيرهم بالنفاق ... وقال القوم الذين زعموا أن المنافق كافر وليس بمشرك: إن المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا موحدين، وكانوا أصحاب كبائر. زاد الشهرستاني:"فكفروا بالكبيرة لا بالشرك"
وننتهي من عرضنا لرأي الإباضية في حكم مرتكب الكبيرة - إذا استثنينا قول الحارثية بتكفيره كفر ملة - أنهم يحكمون عليه بكفر النعمة والنفاق فهل هما بمعنى واحد عندهم فلا يكون بينهم خلاف في هذا الحكم؟ وهل يعتبر كفر النعمة والنفاق منزلة بين منزلتي الشرك والإيمان؟
هذا ما تجيب عليه أقوال الإباضيين في بحثنا التالي عن حقيقة القول بالمنزلة بين المنزلتين عندهم.
المصدر:الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي- ص٣٤٥