للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعروف أن المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نفاقهم في الاعتقاد، وأما الأفعال فكانت أفعالهم كأفعال المؤمنين ظاهراً وإنما كان النفاق فيهم في اعتقادهم أن طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم غير صحيحة وأنهم على الهدى والحق مع إتيانهم بأفعال الإسلام، ولعل هذا هو الذي جعل السدويكشي يربط النفاق بالأفعال حيث جاءت منهم على غير تصديق وإذعان.

وغاية القول في هذا المقام أن الإباضية حينما يحكمون على مرتكب الكبيرة بالنفاق؛ فإنهم يجعلونه في منزلة بين منزلتي الشرك والإيمان ويساوون بينه وبين ما يحكمون به على مرتكب الكبيرة من كفر الملة. أما نفي الإباضية للمنزلة بين المنزلتين في بعض أقوالهم فمرادهم به في أن يكون بين الإيمان والكفر منزلة، فهما ضدان لا يتقابلان تضاد الحياة والموت والحب والبغض بإجماع الأئمة عندهم، وفي ذلك يقول تبغورين الإباضي فيما ينقله عنه علي بن يحيى في كتابه (الإباضية بين الفرق): "الأصل السادس: لا منزلة بين المنزلتين، وذلك أن معناه لا منزلة بين المنزلتين أي بين الإيمان والكفر، وهما ضدان كالأضداد كلها شبه الحركة والسكون والحياة والموت، وقد أجمعت الأمة في أصلهم على أن من ليس بمؤمن فهو كافر" (١).

ولقائل أن يقول: إن هذا هو رأي الخوارج الذين تتبرأ منهم الإباضية، أي القول بأن الشخص إما أن يكون مؤمناً بفعل الطاعات أو كافرا بارتكاب المعاصي، وقد استدل تبغورين بالآيات والأحاديث الآتية التي هي أدلة الخوارج أنفسهم الذين يكفرون أهل الذنوب كفر ملة، ومن الآيات التي استدل بها قوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ [التغابن:٢]، وقوله: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان:٣]، وقوله: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [آل عمران: ١٠٦ – ١٠٧] وقوله تعالى: وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ [عبس: ٣٨ - ٤٢].واستدل من السنة بقوله صلى الله عليه وسلم: ((ليس بين العبد والكفر إلا ترك الصلاة)) (٢)، ((ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)) (٣)، ((الرشا في الحكم كفر)) (٤) ... إلخ. وبما قدمناه عن الإباضية من إثباتهم للنفاق أنه منزلة بين منزلتي الشرك والإيمان وأنه لا منزلة بين منزلتي الكفر والإيمان - يظهر لنا خطأ الجناوني عندما فسر نفيهم للمنزلة بين المنزلتين بأنهم ينفون وقوعها بين الشرك والإيمان وهو خلاف ما ذكره غيره من الإباضية؛ حيث يقول: "وأما قولهم: لا منزلة بين المنزلتين - أي لا منزلة بين منزلة الإيمان ومنزلة الشرك - بدليل قوله تعالى: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان: ٣] , أي إما مقر بالوحدانية وإما جاحد لها" (٥).

وقد قدمنا أن إثبات المنزلة بين المنزلتين يريدون به إثبات النفاق منزلة بين منزلتي الإيمان والشرك - وقد نقلناه عن الجناوني سابقا - وأن نفي تلك المنزلة إنما يقصدون به نفي وجود منزلة بين الكفر والإيمان، وبهذا يظهر تناقض الجناوني مع نفسه بالإضافة إلى خطئه في التفسير.

المصدر:الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص٣٥٢


(١) (ص٣١٨).
(٢) رواه مسلم (٨٢). من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(٣) رواه البخاري (١٢١)، ومسلم (٦٥). من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنهما.
(٤) رواه البيهقي (١٠/ ١٣٩)، وأبو يعلى (٩/ ١٧٣)، والطبراني (٩/ ٢٢٦). موقوفاً على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. قال البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (٥/ ١٤٦): رواه الطبراني موقوفًا بإسناد صحيح. وقال حسين أسد محقق ((مسند أبي يعلى)): إسناده صحيح.
(٥) انظر: كتاب ((الوضع)) (بتعليق أطفيش).

<<  <  ج: ص:  >  >>