للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن التصور الساذج القول بتناصف الناس فيما بينهم. وأما انعزال الإمام فإن مدار الأمر على التزامه بواجباته الشرعية وعدم إيجاد الحجب بينه وبين رعيته، وذلك مناط الحكم بضرورة وجود الإمام شرعاً وعقلاً. وقد ذهبت الخلفية من الخوارج الإباضية إلى أن كل إقليم أو حوزة يستقل بها إمامها، فلا يجوز لإمام أن يجمع بين حوزتين (١) , ويكون لهذه المناطق أئمة بعدد تلك المناطق وهذا باطل ولا يتفق مع روح الإسلام وأهدافه، لأن ذلك يؤدي إلى المشاحنات والعداوة وتفريق كلمة المسلمين، وحينما قرروا أن كل إقليم ينبغي أن يكون مستقلا عن الآخر لا يخضع إقليم ولا منطقة لمنطقة أخرى تجاهلوا دعوة المسلمين إلى الاتحاد الذي يكمن فيه عزهم وقوتهم.

شروط الإمام:

وضع الخوارج شروطاً قاسية لمن يتولى الإمامة ومنها:

أن يكون شديد التمسك بالعقيدة الإسلامية، مخلصاً في عبادته وتقواه حسب مفهومهم.

أن يكون قوياً في نفسه ذا عزمٍ نافذ وتفكير ناضج وشجاعة وحزم.

أن لا يكون فيه ما يُخلُّ بإيمانه من حب المعاصي واللهو.

ألا يكون قد حُدَّ في كبيرة حتى ولو تاب.

أن يتم انتخابه برضى الجميع، لا يغني بعضهم عن بعض.

ولا عبرة بالنسب أو الجنس كما يقولونه ظاهراً دعاية لمذهبهم وفي باطنهم يملأهم التعصب، وكون الإمام ينتخب برضى أهل الحل والعقد، وهذا مبدأ إسلامي لم يأت به الخوارج، كما يقول بعض المستشرقين دعاية للخوارج.

ولم يلتفت الخوارج إلى ما صح من الأحاديث في اشتراط القرشية لتولي الخلافة وتقديم قريش فيها عند صلاحية أحدهم لها. ولم يشترط الشرع في الإمام أن يكون ليله قائماً ونهاره صائماً، أو أنه لا يلم بأي معصية، أو أن يكون انتخابه برضى كل المسلمين من أقصاهم إلى أدناهم، لا يغني بعضهم عن بعض في مبايعتهم له كما يزعمه الخوارج (٢).

محاسبة الإمام والخروج عليه:

يعيش الإمام عند الخوارج بين فكي الأسد –عكس الشيعة- فالخوارج ينظرون إلى الإمام على أنه المثل الأعلى وينبغي أن يتصف بذلك قولاً وفعلاً، وبمجرد أقل خطأ ينبغي عليهم القيام في وجهه ومحاسبته، فإما أن يعتدل وإما أن يعتزل. ومن غرائبهم ما يروى عن فرقة البيهسية منهم والعوفية، فقد اعتبر هؤلاء كفر الإمام سبباً في كفر رعيته، فإذا تركه رعيته دون إنكار فإنهم يكفرون أيضاً (٣)، ولا شك أن هذا جهل بالشريعة الإسلامية، وعلى هذا فما تراه من كثرة هروبهم وخروجهم على أئمتهم أو أئمة مخالفيهم يعتبر أمراً طبيعياً إزاء هذه الأحكام الخاطئة.

وقد حث الإسلام على طاعة أولي الأمر والاجتماع تحت رايتهم إلا أن يُظهروا كفراً بواحاً، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وينبغي معالجة ذلك بأخف الضرر، ولا يجوز الخروج عليهم ما داموا ملتزمين بالشريعة بأي حال.


(١) نقلاً عن ((آراء الخوارج)) (ص ١٢٨). لكن عموم الإباضية لا تجيز هذا حسب ما جاء في ((مدارج الكمال)) (ص١٧٢).
(٢) ((مدارج الكمال)) للسالمي (ص١٧١)، ((تاريخ المذاهب الإسلامية)) (ص١/ ٧١)، ((التفكير الفلسفي)) (١/ ١٩١) للدكتور عبد الحليم محمود، ((آراء الخوارج)) (ص١٢١)، ((عمان تاريخ يتكلم)) (ص١٢٦).
(٣) ((مقالات الأشعري)) (١/ ١٩٤)، ((الطرماح بن حكيم)) (ص٥٥)، ((الملل والنحل)) (١/ ١٢٦) , ((الفرق بين الفرق)) (ص١٠٩)، ((التنبيه والرد)) للملطي (ص١٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>