للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالقول بالاستغناء عن الإمام قول في غاية البعد والسقوط، يقول النووي " وأجمعوا – أي المسلمون – على أنه يجب على المسلمين نصب خليفة، ووجوبه بالشرع لا بالعقل" (١).ويقول القاضي عبد الجبار: " اتفقت الأمة على اختلافها في أعيان الأئمة أنه لابد من إمام يقوم بهذه الأحكام وينفذها" (٢).

وهو رأي واضح لا حاجة إلى الإطالة فيه، ولكن النجدات لم تلتفت إلى الناحية الشرعية بل التفتت إلى العقل ورأت أنه لا يمنع أن يتناصف الناس فيما بينهم إذا وجدت الألفة والمحبة، وهذا أقرب إلى الخيال.

يريد النجدات بزعمهم هذا أن ينشأ مجتمع مثالي يعرف فيه كل شيء واجبه تجاه مجتمعه فيقف عند حقه، تحجزه أخلاقه عن ارتكاب أي ضرر بالغير، كل شخص قد جعل القرآن إمامه وحاكمه يعرف فيه واجبه نحو الغير، ولعل هذا بعض ما يمكن أن يتعلل به القائلون من النجدات وغيرهم بالاستغناء عن نصب الإمام.

فلننظر إلى الواقع: هل طبق النجدات هذا القول فاستغنوا عن نصب أمير منهم؟!

لا شك أن الأمر كان بالعكس فنجده نفسه وهو أول زعيم لهم، لم يطبق هذا الرأي بل كان هو الحاكم على فرقته بعد إزاحته لأبي طالوت، ولقد كان يرسل ولأنه على المناطق التي تحت سيطرته ثم كان لا يرسل سرية أو جيشاً إلا اختار لهم أميراً، كما أرسل ابنه إلى القطيف أميراً على سرية، ومن هنا يشك الطالبي في صحة ما نسب إلى نجدة وأنه كما قال: " يمكن أن يكون أصحابه هم الذين أحدثوه من بعد، ولعلهم أولوا قول المحكمة الأولى لا حكم إلا لله وفهموا منه أنه لا حاجة إلى إمام ولا إلى حاكم ".ولكنه عاد فاعتذر لهم عن هذا الرأي الذي ينسب إليهم بأنه ناتج عن حياتهم القبلية، وذلك في قوله: " ومن وجهات النظر التي أبداها هؤلاء مبرر- يبدو أنه من طبيعة الحياة العربية القبلية – وهو أن الناس متساوون كأسنان المشط، فكيف تجب طاعة أحدهم لمن هو ند له؟! ونظير هذا بالنسبة لعامة الناس، كذلك القول بالنسبة للمجتهدين، فإذا تساووا في الفضل والتدين والاجتهاد والمعارف فكيف نستطيع أن نلزمهم بطاعة أحدهم؟! " (٣).

ونضيف إلى التبرير السابق الذي قدمه الطالبي لمبدأ النجدات عوامل أخرى يرجع إليها بعض الدارسين الإباضيين، هذا المبدأ الذي يجيز النجدات فيه الاستغناء عن الإمامة فيذكر السالمي عن نظر النجدات في هذه المسألة ما حاصله:

١ - أن النظرية الأساسية التي ارتكزت عليها فكرة الخوارج وخصوصاً الأزارقة والصفرية والنجدات - كانت المبدأ القائل: لا حكم إلا لله، والمعنى الحرفي لهذا المبدأ يشير صراحة إلى أنه لا ضرورة لوجود الحكومة مطلقاً.

٢ - أن الحكم " ليس من اختصاص البشر، بل تهيمن عليه قوة علوية ".

٣ - أن الضروري هو تطبيق أحكام الشرع والتمشي بموجب القرآن الكريم والسنة، وإذا استطاع المسلمون تطبيق هذه الأحكام والتمشي حسب ما جاء به الإسلام؛ فإنه لا ضرورة مطلقاً لوجود خليفة أو إمام؛ وعلى هذا فالإمامة ليست التزاماً دينياً يجب تنفيذه.

٤ - قالوا: إن وجود الخليفة أو الإمام لا يكون مفيداً في الأوقات كلها؛ لأنه ربما يكون بسبب من الأسباب عاجزاً عن الاتصال بجميع أتباعه وينحصر في بطانة قليلة من الأفراد وينعزل عن الأغلبية ... وبالتالي يكون أبعد ما يكون عن التفهم لمشاكل المسلمين.

٥ - أن على الخليفة أن يتمتع بكفاءات معينة خاصة تجعله جديراً بتولي أمور المسلمين، ومن المحتمل أن لا يكون هذا الرجل الذي يحمل تلك الكفاءات متوفراً في جميع الأوقات، وينتج عن القول بضرورة وجود الخليفة أن نقع في مسألتين محذورتين.


(١) ((شرح النووي)) (١٢/ ٢٠٥).
(٢) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص ٧٥١).
(٣) ((آراء الخوارج)) (ص ١٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>