للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول أبو يعقوب الوارجلاني أيضاً: " اعلم يا أخي أن مذهب أهل الدعوة في الخروج على الملوك والظلمة والسلاطين الجورة جائز وليس كما تقول السنية أنه لا يحل الخروج عليهم ولا قتالهم، بل التسليم لهم على ظلمهم أولى. قالوا: وقد اختلف الأئمة في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: قول أهل الدعوى أنه جائز الخروج عليهم وقتالهم ومناصبتهم والامتناع من إجراء أحكامهم علينا إذا كنا في غير حكمهم، وأما إذا كنا تحت حكمهم فلا يسعنا الامتناع في كثير من أحكامهم، وإن أردنا الشراء والخروج جاز لنا" (١).ويقول الثعاريتي عن الإمام: " وللأمة عزله بموجب كأن يقع منه ما يخل بأمور المسلمين، فإن أدى عزله إلى الفتنة ارتكب أخف الضررين" (٢).

وبعد فهل كان الخوارج فيما ذهبوا إليه من وجوب الخروج على الحكام – هل كانوا فيه على صواب أم على خطأ؟ وذلك بالاستناد إلى ما ورد من نصوص واضحة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقبل إيراد بعض تلك النصوص نقول: إنه لا يخفى على أحد مقدار الخسارة التي تلحق بالأمة حين يخرج بعض الناس على الإمام الشرعي، ويؤيده البعض الآخر وما ينتج عن هذا من تشتت الكلمة ودخول الأهواء في كل أمر، وتعاظم الحقد في صدور الناس وسفك الدماء المستحقة والبريئة على حد سواء من جراء تلك الفتن الأهلية، كما وقع ذلك في كل وقت من الأوقات التي يغلب فيها الجهل على العلم والظلم على العدل ولهذا فقد حث الإسلام على الوحدة واجتماع الكلمة.

يقول الله تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا [آل عمران: ١٠٣]، ويقول الله تعالى آمراً عباده بالتعاون فيما بينهم على الخير واجتناب الشر: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة: ٢].

وقد أمر الله بطاعة أولي الأمر إذ أنه لابد لكل مجتمع من وال لأمرهم يكون مرجعاً في قضاياهم، وإلا لفسد الأمر واختل النظام ووقعت الفوضى وبطل تنفيذ شرع الله، فلهذا أوجب طاعتهم التامة بعد أن أمر بطاعته هو جل وعلا وطاعة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ [النساء: ٥٩] والولاة من أولي الأمر.

وقد وردت عدة أحاديث تشير إلى وجوب طاعة أولي الأمر وتحريم الخروج عليهم، ومنها: ١ - حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني)) (٣)، أي أنه اعتبر طاعة الأمير كأنها طاعة له وعصيانه كأنه عصيان له.٢ - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة)) (٤)؛ فقد أوجب صلى الله عليه وسلم طاعة الأمير مهما كان جنسه أو لونه أو منزلته عند الناس، ما دام أنه قد نصب أميراً شرعياً على الأمة.٣ - قال صلى الله عليه وسلم في التحذير من مفارقة الجماعة بالخروج على الإمام: عن ابن عباس يرويه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية)) (٥).


(١) ((الإباضية بين الفرق)) (ص ٤٥٨).
(٢) ((الإباضية بين الفرق)) (ص ٤٨٥).
(٣) رواه البخاري (٧١٣٧)، ومسلم (١٨٣٥).
(٤) رواه البخاري (٦٩٣).
(٥) رواه البخاري (٧٠٥٤)، ومسلم (١٨٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>