للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويذكر أن "الفرقة الواقفة عند سعد بن أبي وقاص وعبدالله بن عمر ومحمد ابن مسلمة وأسامة بن زيد، والفرقة الطالبة بدمه فطلحة بن عبدالله والزبير بن العوام بن أبي سفيان".وبعد هذا البيان للأشخاص سمى كل فرقة باسم مختلق يناسب ميول الخوارج تجاه عثمان فيقول: "فسميت الفرقة الأولى وهي القاتلة أهل الاستقامة، والفرقة الواقفة الشكاك، والفرقة الطالبة بدمه العثمانية" (١) وكما تقدم نجد مثله عند الورجلاني (٢) لترى موقفهم من خلفاء المسلمين الراشدين الذين توفي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، الذين اتبعوه في ساعة العسرة والذين لو أنفق أحد ممن بعدهم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه، وقد وصفوا عثمان رضي الله عنه بأوصاف يخيل فيها للسامع أنه أمام إمبراطور عنيد لم يدخل الإسلام قرارة نفسه، ولقد ردوا قوله تعالى: وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا [الحشر:١٠]، فاعتبروا خيرة السلف الذين قام الإسلام بفضل الله ثم بجهادهم في منزلة البراءة ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقد جاء في كتاب عبدالله بن إباض ذكْرٌ تٌهَمٍ كثيرة وجهها إلى عثمان ثم قال بعدها: "فلو أردنا أن نخبرك بكثير من مظالم عثمان لم نحصها إلا ما شاء الله، وكل ما عددت لك بعمل عثمان يكفر الرجل أن يعمل ببعض هذا، وكان من عمل عثمان أنه لم يحكم بما أنزل الله وخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم والخليفتين الصالحين أبي بكر وعمر" (٣). فهل يتصور أن يترك عثمان الحكم بما أنزل الله ويحكم رسول الله بغيره؟! ولماذا لم يبين ابن إباض بأي قانون حكم إن كان ما زعمه صحيحا؟!

ولولا إرادة إثبات موقف الخوارج عموما والغلاة من الإباضية خصوصا من عثمان لما كان هناك ما يدعو إلى ذكر تلك المفتريات الكاذبة.

والواقع أن موقف الخوارج من عثمان موقف خاطئ، فعثمان رضي الله عنه كان من السابقين الأولين إلى الإسلام الذين مدحهم الله في كتابه، وأثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الذين جاهدوا مع رسول الله في غزواته لإعلاء كلمة الله، وكان على غاية من الكرم والإحسان، وقد زوجه الرسول صلى الله عليه وسلم بابنتيه، وأهم من هذا كله فقد شهد له الرسول بالجنة وبشره بها وهو حي يمشي على الأرض، وله مناقب عديدة مشهورة ولا يقع فيه بالذم أو التنقيص إلا من سفه نفسه وهو أشهر من أن يمدح، ولقد صدق عليه قول الشاعر:

وإذا أتتك مذمتي من ناقص ... فهي الشهادة لي بأني كامل

ولقد امتحن الله هؤلاء الناقصين بذمه؛ لهوانم عليه لما في قلوبهم من الجفاء والغلظة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما فيما يتعلق بموقف الخوارج من الإمام علي رضي الله عنه فقد اعترفوا بأنه خليفة شرعي إلى أن حكم ومن هنا خرج عن الصراط المستقيم في نظرهم، ولم يعد خليفة للمسلمين، ولا سمع ولا طاعة له على أحد، لأنه حكم البشر في كتاب الله فكفر- كما زعموا -.


(١) قطعة من ((كتاب الأديان)) (ص٢٦ – ٢٧).
(٢) انظر: كتاب ((الدليل لأهل العقول)) للوارجلاني (ص٢٧، ٢٨).
(٣) انظر: ((كشف الغمة)) (ص٢٨٩ – ٢٩٥)، وانظر: ((الدليل لأهل العقول)) (ص٢٧،٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>