للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والواقع أنه سيتبين لنا فيما يأتي من دراستنا لما صدر عن المحكمة الأولى من أقوال وأفعال، وما دار بينهم وبين مخالفيهم من محاورات ومناظرات، أنهم كانوا سابقين إلى تكفير مخالفيهم من المسلمين وتشريكهم ومعاملتهم على هذا الأساس، وأن الأزارقة لم يكونوا في ذلك إلا تبعا لهم، وإن كانوا قد غالوا في هذا الموقف غلوا شديدا كما سنرى فيما بعد. وأول ما نستشهد به على موقف المحكمة الأولى من مخالفيهم من المسلمين هو ما ذكره قيس بن سعد بن عبادة في محاورته لهم ليرجعوا إلى الطاعة والجماعة، ويخطئهم في موقفهم تجاه المسلمين حين اعتبروهم مشركين؛ فسفكوا دماءهم واستحلوا حرماتهم ومنه قوله يقرر عليهم أفعالهم: "فإنكم ركبتم عظيما من الأمر تشهدون علينا بالشرك، والشرك ظلم عظيم، وتسفكون دماء المسلمين وتعدونهم مشركين" (١). فهذه شهادة من شاهد عيان بأن المحكمة الأولى كانوا يعدون مخالفيهم مشركين، هذا ما رواه عنه الطبري. ويذكر نصر بن مزاحم المنقري أن المحكمة قالوا بتشريك مخالفيهم وعلى رأسهم الإمام علي، فبرئ علي منهم وبرئوا منه وافترقوا على هذا، وذلك في قوله عنهم: "فبرئوا من علي وشهدوا عليه بالشرك وبرئ علي منهم" (٢)، وكما أشرك - في نظرهم- الإمام علي أشرك كذلك ابنه الحسن رضي الله عنهما؛ فقد أقبل عليه الجراح بن سنان - وذلك بعد مصالحته معاوية - وقال له: "أشركت كما أشرك أبوك، ثم طعنه في أصل فخده" (٣).فالمحكمة كما ظهر مما سبق قد حكمت بالشرك على مخالفيهم، وقد حكموا أيضا عليهم بالكفر كما يرويه عنهم الملطي بقوله: "والفرقة السابعة: الحرورية، يقولون بتكفير الأمة" (٤). ومن الحوادث التي تثبت تكفيرهم لمخالفيهم وبالتالي استحلالهم لدمائهم ما هو معروف مشهور من قتلهم عبدالله بن خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من المسلمين. فقد ورد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه "بعث إلى أهل النهروان أن ادفعوا إلينا قتلة إخواننا نقتلهم بهم ثم أنا تارككم وكاف عنكم حتى ألقى أهل الشام، فلعل الله يقلب قلوبكم ويردكم إلى خير مما أنتم عليه من أمركم، فبعثوا إليه: كلنا قتلهم وكنا نستحل دماءهم ودماءكم" (٥). فلو لم يكونوا معتقدين كفرهم وخروجهم عن الإسلام في زعمهم لما استحلوا دماءهم. وقد كان رجل يسمى الخريت بن راشد من أشد الخارجين على علي وعلى المسلمين عموما، فقد كان في طريقه يقتل كل من يقول إنه مسلم ويخلي سبيل من لا يعتقد الإسلام، وكان هذا الفعل منه مصداقا للحديث القائل: ((يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان))، أو كما قال عليه السلام (٦).هذا الرجل خرج على الإمام علي فيمن أطاعه من قومه وغيرهم، وفي أثناء سيرهم نحو قرية يقال لها نفر- حدث ما بينه كتاب أحد عمال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ويسمى قرظة بن كعب الأنصاري يخبره فيه بمسير الخوارج، قال فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فإني أخبر أمير المؤمنين أن خيلا مرت بنا من قبل الكوفة متوجهة نحو نفر وأن رجلا من دهاقين أسفل الفرات قد صلى يقال له: زاذان فروخ أقبل من قبل أخواله بناحية نفر فعرضوا له، فقالوا: أمسلم أنت أم كافر؟ فقال: بل أنا مسلم قالوا: فما قولك في علي؟ قال: أقول فيه خيرا، أقول: إنه أمير المؤمنين وسيد البشر، فقالوا له: كفرت يا عدو الله. ثم حملت عليه عصابة منهم فقطعوه" (٧).


(١) ((تاريخ الطبري)) (٥/ ٨٣).
(٢) ((وقعة صفين)) (ص٥١٨).
(٣) ((تلبيس إبليس)) (ص٩٥).
(٤) ((التنبيه والرد)) (ص٥٦).
(٥) ((تاريخ الطبري)) (٥/ ٨٣).
(٦) رواه البخاري (٣٣٤٤)، ومسلم (١٠٦٤). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. بلفظ: ( ... يقتلون أهل الإسلام. ويدعون أهل الأوثان ... ).
(٧) ((تاريخ الطبري)) (٥/ ١١٧) ..

<<  <  ج: ص:  >  >>