للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما حديث خديجة وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن شئت أسمعتك تضاغيهم)) – فقد حكم عليه بأنه حديث باطل موضوع. وقد قال عن حديث الوائدة: "وكونها مؤودة لا يمنع من دخولها النار بسبب آخر"، وذكر أن أحسن ما يقال فيه: إن المؤودة "في النار ما لم يوجد سبب يمنع من دخولها النار" (١).أما شيخ الإسلام ابن تيمية فإنه يرى التوقف في أطفال المشركين، وقال بأن أصح الأوجه فيهم جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في (الصحيحين) عنه أنه قال: ((ما من مولود إلا يولد على الفطرة" الحديث. قيل: يا رسول الله، أرأيت من يموت من أطفال المشركين وهو صغير؟ قال: أعلم بما كانوا عاملين)) (٢)، فلا يحكم على معين منهم لا بجنة ولا نار، ويرى أنهم يوم القيامة، يمتحنون في عرصات القيامة، فمن أطاع الله حينئذ دخل الجنة، ومن عصى دخل النار، ودلت الأحاديث الصحيحة أن بعضهم في الجنة وبعضهم في النار (٣).بل لقد جزم الإمام النووي بأن أطفال الكفار في الجنة إذا ماتوا قبل البلوغ (٤)، واختار هذا الرأي دون القول بدخولهم النار، أو بالتوقف في شأنهم، ويذكر البعلي الحنبلي أن أصحاب أحمد قد اختلفوا في الأطفال، فبعضهم قال: يعذبون تبعا لآبائهم، وبعضهم قال: يدخلون الجنة، ويذكر أن "أكثر نصوص أحمد الوقف، ولا يحكم بجنة ولا بنار" (٥).

وغاية القول أن أطفال المشركين الحقيقيين، سواء في نظر المسلمين أو في نظر الأزارقة ومن معهم – غاية القول في شأنهم التوقف في الحكم عليهم، فلا يصح حكم الخوارج عليهم بدخول النار.

أما مسألة جواز قتل الأطفال ومن في حكمهم من العجزة كالنساء، فقد أخطأت الأزارقة فيه حين زعموا جواز ذلك، سواء كانوا من المسلمين أو من المشركين، فقد وردت أحاديث صحيحة تمنع من قتلهم، إلا أن يكون ذلك في بيات لا يتميز فيه الأطفال والنساء، فلا بأس حينئذ في قتلهم إذا وقع دون عمد، فيكونون كآبائهم في حكم قتلهم وإهدار دمائهم. ومن الأدلة على هذا ما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: ((وجدت امرأة مقتولة في بعض تلك المغازي، فنهى رسول الله عن قتل النساء والصبيان)) (٦).وكذا حديث الصعب بن جثامة قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الذراري من المشركين يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم، فقال: ((هم منهم)) (٧).قال النووي بعد إيراد حديث ابن عمر: "أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث، وتحريم قتل النساء والصبيان، إذا لم يقاتلوا، فإن قاتلوا، قال جماهير العلماء: يقتلون" (٨).وقال ابن حجر في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((هم منهم)): "أي في الحكم في تلك الحالة، وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم، بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى الآباء إلا بوطأ الذرية، فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم" (٩).

المصدر:الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص٥١٤


(١) ((طريق الهجرتين)) (ص٣٩٥).
(٢) رواه البخاري (١٣٥٨)، ومسلم (٢٦٥٨). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) ((الفتاوى الكبرى)) (٢/ ١٧٨).
(٤) ((شرح النووي)) (١٢/ ٥٠).
(٥) ((مختصر الفتاوى)) (١/ ٢٥٥).
(٦) رواه البخاري (٣٠١٥)، ومسلم (١٧٤٤).
(٧) رواه البخاري (٣٠١٢)، ومسلم (١٧٤٥).
(٨) ((شرح النووي)) (١٢/ ٤٨).
(٩) ((فتح الباري)) (٦/ ١٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>