للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد قتل عزان خفت صوت الإمام إلى سنة ١٩١٣م، فأخذت الدعوة تنتشر بين الناس في عمان الداخلية للرجوع إلى الإمامة ومحاربة الحكم الوراثي (سلاطين البوسعيد) " فاجتمع أئمة الإباضية وانتخبوا سالم بن راشد الخروصي إماما "، ووصفت هذه الحركة من قبل الإباضية بأنها " حركة ثورية مباركة " فسار فيهم الإمام سالم سيرة ارتضوها من عمل بكتاب الله وسنة نبيه إلى سنة ١٩٢٠م, فدبرت له مؤامرة اغتيل فيها. فولى الإباضية عليهم بعده الإمام " محمد بن عبد الله الخليلي " (١) الذي امتد حكمه أربعا وثلاثين سنة، " وقد عم الهدوء والسلام " تلك المناطق الداخلية في عهده رغم ما كان يلاقيه من تآمر سلاطين مسقط والإنجليز على إسقاط الإمامة هناك وضمها إلى سلطان مسقط البوسعيدي، وقد استمرت الحرب بينهم سبع سنوات ثم تم التوصل إلى معاهدة تعرف بمعاهدة السيب (والسيب يقع على بعد ٣٠ كم تقريبا من العاصمة مسقط ويتكون من بيوت قليلة وفيه المطار للعاصمة مسقط).

واستمرت هذه المعاهدة إلى أن توفي الإمام الخليلي فأراد سلطان مسقط أن يهتبل الفرصة لضم عمان الداخلية إلى سلطنته، ولكن الإباضيين فوتوا عليه الفرصة وولوا عليهم بعده الإمام " غالب بن علي الهنائي "، الذي بويع بالإمامة سنة ١٩٥٤م – ١٣٧٣هـ، وقد جعل جل اهتمامه في ربط عمان بالدول العربية، " فقد قام بتبادل التمثيل الدبلوماسي مع جميع البلدان التي تتعاطف معه آملا من ذلك أن تكون عمان كأي دولة من الدول العربية ووجد من يشاطره هذا الأمل، إلا أن هذا التحرك من جانب الإمام قد أخاف بريطانيا وسلطان مسقط إذ إن رجوع الإمام إلى عمان معناه انتهاء مصالح بريطانيا ونفوذها هناك؛ خصوصا وأن آبار البترول قد جذبتهم إليها وأن التخلي عنها لا يمكن بحال. ومن هنا أخذت بريطانيا وحليفها سلطان مسقط سعيد بن تيمور في تنظيم الخطط الحربية للقضاء على الإمام بالقول والفعل. وفجأة وبدون مقدمات زحفت السيارات العسكرية إلى مدينة عبرى ومنها إلى العاصمة نزوى التي أصبحت تحت أيديهم فانتقلت الإمامة إلى رؤوس الجبال حيث قرر الإباضية التحصن بالجبال، خصوصا الجبل الأخضر، وشن الحملات الهجومية من هناك واستمرت تلك الحرب الضارية بين قوات الإمام وبين سلطان مسقط والإنجليز، وكانت قوات الإمام تحرز بعض الانتصارات بعد خسائر فادحة، إلا أن بريطانيا صبت جام غضبها عليهم؛ يتمثل ذلك في أسراب الطائرات والقنابل والصواريخ المدمرة " (٢).

وكانت نهاية الإمامة في عمان بعد تلك المعارك التي دارت بين أتباعها من جهة والسلاطين والإنجليز من جهة أخرى، ولم تفلح الجهود السياسية والحربية في إعادة الإمامة للبلاد وإنما تمكن السلاطين البوسعيديين من عمان ولا يزالون حتى الآن يتوارثون الحكم فيها. وقد شهدت عمان نهضة قوية في عهدهم.

وإذا لم يكن السلاطين بالمذهب الإباضي فإن هذا المذهب لا يزال له سلطانه، ولا سيما في الجوانب الفقهية عند العلماء والعامة.

وقبل أن ننتهي من الحديث عن دولة الخوارج في عمان نحب أن نذكر هنا أن الخوارج بسطوا نفوذهم على بعض المناطق الأخرى في المشرق غير عمان؛ فقد بسط نافع بن الأزرق نفوذه على الأهواز إلى كرمان وتمكنوا من دولاب وسلبرى وسلي، وغيرهما من تلك النواحي، وبسط نجدة نفوذه على اليمامة والبحرين والقطيف وصنعاء، وخلفه على تلك المناطق أبو نزيك، إلى غير ذلك من أمثال تلك الظواهر التي لا نقف عندها لأنها تمثل وضعا من أوضاع الحكم المنظم والمستقر ولم تدم إلا سنوات قليلة، بل كان بعضها لا يبقى إلا شهورا؛ ولهذا لم ندخلها في الحديث عن دولة الخوارج مكتفين بذكرها عند الحديث عن تلك الفرق التي بسطت سلطانها وقتا ما على هذه المنطقة أو تلك.

المصدر:الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص١٦٣


(١) انظر: ((عمان تاريخ يتكلم)) (ص١٧١).
(٢) انظر: ((عمان تاريخ يتكلم)) (ص٢٣٢، ٢٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>