للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - كثرة مؤلفات مؤسسة أبي الحسن الأشعري، مع ما صاحب ذلك من كونه نشأ وعاش زمنا طويلا في ظل مذهب المعتزلة، وكان من آثار ذلك عدم استطاعته التخلص من المنهج الكلامي في عرض العقيدة، بل زاد على ذلك بأن التزم بعض أصولهم، وهذا كله بعد رجوعه، وقد كان من المفترض أن يكون رجوعه كاملا عن منهجهم وعقيدتهم إلى منهج وعقيدة السلف، لكن الذي وقع أنه ترك الاعتزال وتبنى مذهب الكلابية، فإذا أَضيف إلى ذلك كثرة مؤلفاته ورسائله التي ألفها بعد رجوعه واستخدامه في غالبها الأسلوب العقلي الكلامي، كما هو واضح في مثل كتابه (اللمع) وفي ما حواه كتاب ابن فورك (مجرد مقالات أبي الحسن الأشعري)، مع تأخر كتابه (الإبانة)، وكونه كتابا واحدا في مقابل عشرات الكتب المنتشرة، فهذا يفسر ما وقع من تطور في مذهب الأشاعرة، مع قناعة أعلامهم بأنهم لم يخالفوا أقوال شيخهم الأشعري مخالفة أصولية.

٣ - إن المذهب لم يبن منذ البداية على منهج مؤصل؛ حيث لم يحدد له أصول واضحة في الاعتقاد أو كيفية التعامل مع النصوص، والأشعري في (الإبانة) كان صاحب منهج يختلف عن منهجه في كثير من كتبه، لذلك فالمذهب منذ البداية نشأ على التذبذب بين موافقة مذهب السلف، والرد على المعتزلة، وتأييد العقيدة بعلم الكلام، ولو نشأ المذهب واضح المعالم في الاستدلال للعقيدة أو الرد على المخالفين لكان ذلك مانعا من اجتهاد يأتي فيما بعد يؤدي إلى الانحراف، وهذا ما حدث بالنسبة لما كتبه أعلام السلف في ردودهم على الجهميةو المعتزلة، فعلى الرغم من المناقشات العقلية، والإلزامات القوية للخصوم، في مؤلفات الأئمة مثل الإمام أحمد، والكناني، والدارمي، وابن قتيبة، وغيرهم، لم تؤد هذه الردود- التي بقيت وحفظت - إلى شيء من الانحراف، بل على العكس كان لها دور في دعم مذهب السلف وإسكات خصومهم.

٤ - رفض أهل السنة للمذهب الأشعري منذ البداية مما كان سببا في جعله مذهبا منعزلا عنهم، ولقد كان رفض أئمة الحديث والسنة له الأثر النفسي والواقعي في حياة الناس، حرص المتأخرون على الدفاع عن مذهبهم وعقيدتهم الأشعرية ودعمها بالأدلة، وبيان بعدها عن التشبيه والتجسيم الذي قد يصمون به أهل الإثبات، والمعارضة القوية من جانب علماء السلف لمذهب الأشاعرة ورمي معتنقيه - أحيانا - بأنهم نفاة ومعتزلة، يؤدي إلى ردود فعل نفسية من جانب هؤلاء فيؤدي إلى اتساع دائرة البعد بين الفريقين.

٥ - ومن الأسباب أيضا فشو التقليد في أصول العقيدة وفروع الأحكام فقد يقلد شيخه في إحدى المسائل؛ ظنا منه أنه - وهو العالم المشهور- ما قال بها إلا هي حق، ثم يضطر في النهاية إلى التزام لوازم هذه المسألة، وقد تكون لوازم باطلة، لكنه التزمها التزاما لأصلها الذي أخذه تقليدا، وقد يكون شيخه قال بهذه المسألة بناء على وجه معين وهو يرفض لوازمها لو ألزمها.

٦ - وهناك أسباب أخرى مثل الهوى، والتعصب لطائفة أو لمذهب، وحرص أهل الباطل على التفريق بين المسلمين بإثارة الفتن بينهم، وغيرها.

المصدر:موقف ابن تيمية من الأشاعرة لعبد الرحمن المحمود – ٢/ ٥١١

<<  <  ج: ص:  >  >>