للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب - يثبت أبو الحسن الطبري صفة الاستواء والعلو لله تعالى، يقول: " اعلم عصمنا الله وإياك من الزيغ برحمته أن الله سبحانه في السماء فوق كل شيء، مستو على عرشه بمعنى أنه عال عليه، وبمعنى الاستواء الاعتلاء، كما يقول: استويت على ظهر الدابة، واستويت على السطح يعني علوته، واستوت الشمس على رأسي واستوى الطير على قمة رأسي بمعنى علا في الجو فوجد فوق رأسي، والقديم جل جلاله عال على عرشه لا قاعد ولا قايم ولا مماس له ولا مباين، والعرش ما تعقله العرب وهو السرير، يريد بذلك أيضا على أنه في السماء عال على عرشه قوله سبحانه: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ [الملك: ١٦]، وقوله تعالى: يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ [آل عمران: ٥٥]، وقوله: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ [النحل: ٥٠]، وقوله: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فاطر:١٠]، وقوله: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ [السجدة: ٥] "، ثم رد على البلخي وغيره من المعتزلة في تأويلهم الاستواء بالاستيلاء واحتجاجهم بقولهم: استوى بشر على العراق - وغيره - فقال: " فيقال لهم: ما أنكرتم أن يكون عرش الله جسما مجسما، خلقه وأمر ملائكته بحمله، وتعبدهم بتعظيمه كما خلق في الأرض بيتا وامتحن بني آدم بالطواف - حوله وبقصده من الآفاق، ويدل على ذلك قوله تعالى: وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ [الزمر: ٧٥]، وقال في موضع آخر: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة: ١٧]، ففي كل هذا دلالة أن العرش ليس بالملك وأنه سرير"، ثم قال: "ومما يدل على أن الاستواء ها هنا ليس بالاستيلاء أنه لو كان كذلك لم يكن ينبغي أن يخص العرش بالاستيلاء عليه دون سائر خلقه، وليس للعرش مزية على ما (وصفت) "، فبان بذلك فساد قوله، ثم يقال له أيضا: "إن الاستواء ليس هو بالاستيلاء في قول العرب: استوى فلان على كذا أي استولى عليه، إذا تمكن منه بعد أن لم يكن متمكنا، فلما كان الباري سبحانه لا يوصف بالتمكن بعد أن لم يكن متمكنا لم يصرف معنى الاستواء إلى الاستيلاء، وحدثنا الشيخ أبو عبد الله الأزدي الملقب بنفطويه قال: حدثنا أبو سليمان، قال كنا عن ابن الأعرابي فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله ما معنى قوله سبحانه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: ٥]، قال: إنه مستو على عرشه كما أخبر، فقال له الرجل: إنما معنى استوى استولى فقال له ابن الأعرابي: ما يدريك ما هذا، العرب لا تقول استوى على العرش حتى يكون فيه مضاد له، فأيهما غلب قيل: قد استولى عليه، والله سبحانه لا مضاد له، وهو مستو على عرشه كما أخبر، والاستيلاء يكون بعد المغالبة" ثم يقول: " فإن قيل فما تقول في قوله سبحانه: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك: ١٦]، قيل له معنى ذلك أنه فوق السماء على العرش، كما قال: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ [التوبة: ٢]، أي على الأرض ... ".

<<  <  ج: ص:  >  >>