للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما في غير الشرعيات فيتوقف العقل على تجريده عن شوائب الوهم والإلف والعادة والاحتراز عن الخطأ في الترتيب والفكر في صورة الأشكال، وهذه الأمور لا تحصل إلا بإرشاد إمام، لأن كل فرقة من طوائف بني آدم يثبتون بعقولهم أشياء وينكرون أشياء أُخر، وهم متخالفون فيما بينهم بالأصول والفروع، ولا يمكن الترجيح بالعقل فقط، فالتمسك إذن بقول الإمام، ومع ذلك لا يمكن إثبات الأمور الدينية بالعقل الصرف لأنه عاجز عن معرفتها تفصيلاً بالإجماع. نعم يمكنه معرفتها إذا كان مستمداً من الشريعة. وهاهنا فائدة جليلة لها مناسبة مع هذا المقام، وهي أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إني تارك فيكم الثقلين، فإن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي)) (١). وهذا الحديث ثابت عند الفريقين أهل السنة والشيعة، وقد علم منه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أمرنا في المقدمات الدينية والأحكام الشرعية بالتمسك بهذين العظيمي القدر, والرجوع إليهما في كل أمر، فمن كان مذهبه مخالفاً في الأمور الشرعية اعتقاداً وعملاً فهو ضال، مذهبه باطل وفاسد لا يُعبأ به. ومن جحد بهما فقد غوى، ووقع في مهاوي الردى. وليس المتمسك بهذين الحبلين المتينين إلا أهل السنة، لأن كتاب الله ساقط عند الشيعة عن درجة الاعتبار كما سبق بيانه قريباً، وقد روى الكليني عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله: أن القرآن الذي جاء به جبريل إلى محمد صلَّى الله عليه وسلَّم سبعة عشر ألف آية (٢). وروي عن محمد نصر أنه قال في (لم يكن) اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم (٣).وروي عن سالم بن سلمة قال: قرأ رجل على أبي عبد الله وأنا أسمعه حروفاً من القرآن ليس مما يقرأه الناس. فقال أبو عبد الله: مه اكفف عن هذه القراءة واقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم اقرأ كتاب الله على حده (٤).

وروى الكليني وغيره عن الحكم بن عتيبة قال: قرأ علي بن الحسين (وما أرسلنا قبلك من رسول ولا نبي ولا محدّث) قال: وكان علي بن أبي طالب محدّثاً.


(١) رواه الترمذي (٣٧٨٨) بنحوه من حديث زيد بن أرقم وقال: حسن غريب. وقال الألباني في صحيح الترمذي: صحيح.
(٢) قال المجلسي في ((مرآة العقول في شرح أخبار الرسول)) (١٢/ ٥٢٥): "موثق، وفي بعض النسخ عن هشام بن سالم موضع هارون بن سالم، فالخبر صحيح، ولا يخفى أن هذا الخبر وكثير من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى، وطرح جميعها يُوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً، بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا يقصر عن أخبار الإمامة فكيف يثبتونها بالخبر؟ ". أي كيف يُثبتون الإمامة بالخبر إذا طرحوا أخبار التحريف؟.
(٣) ((الكافي)) (٢/ ٦٣١)، ((بحار الأنوار)) (٥٢/ ٣٦٤)، ((مشارق الشموس الدرية)) (١٢٦)، ((مسند الرضا)) للعطاردي (١/ ٣٨٥).
(٤) ((الكافي)) (٢/ ٦٣٣)، ((بصائر الدرجات)) (١٩٣)، ((وسائل الشيعة)) (٤/ ٨٢١)، ((بحار الأنوار)) (٨٩/ ٨٨)، ((معجم أحاديث المهدي)) (٤/ ٤٤)، ((إثبات الهداة)) للحر العاملي (٣/ ٦٤٣)، ((حلية الأبرار)) (٢/ ٦٤٣)، ((تفسير نور الثقلين)) (٣/ ١٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>