فلما وصلت هذه المقالة إلى الأمير رضي الله عنه أهدر دماء تلك الطائفة وتوعدهم بالإحراق في النار، واستتابهم فأجلاهم إلى المدائن، فلما وصلوا إليها أشاعوا تلك المقالة الشنيعة.
وأرسل ابن سبأ بعض أتباعه إلى العراق وأذربيجان، ولما لم يستأصلهم أمير المؤمنين رضي الله عنه بسبب اشتغاله بما هو أهم راج مذهبه واشتهر وذاع وانتشر، فقد بدأ أولاً بتفضيل الأمير وثانياً بتكفير الصحابة، وثالثاً بألوهية الأمير ودعا الناس على حسب استعدادهم، وربط رقاب كل من اتبعه بحبل من حبال الغواية، فهو قدوة لجميع الفرق الرافضة، وإن أكثر أتباعه
وأشياعه من تلك الفرق يذكرونه بالسوء لكونه قائلاً بألوهية الأمير ويعتقدون أنه مقتدى الغلاة فقط، ولذا ترى أخلاق اليهود وطبائعهم موجودة في جميع فرق الشيعة، وذلك مثل الكذب، والبهتان، وسب أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وكبائر أئمة الدين وحملة كلام الله تعالى وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم وحمل كلام الله تعالى والأحاديث على غير ظاهرها، وكتم عداوة أهل الحق في القلب، وإظهار التملّق خوفاً وطمعاً، واتخاذ النفاق شعاراً ودثاراً، وعدّ التقية من أركان الدين، ووضع الرقاع المزورة ونسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة، وإبطال الحق وإحقاق الباطل لأغراض دنيوية. وهذا الذي ذُكر قطرة من بحر وذرّة من جبل. وإذا تفكرت في سورة البقرة وحفظت ما ذكر الله تعالى فيها من صفات اليهود الذميمة ترى جميعها مطابقة لصفات هذه الفرقة مطابقة النعل بالنعل. الطبقة الثانية: جماعة ممن ضعف إيمانهم من أهل النفاق، وهم قتلة عثمان (١) وأتباع عبد الله بن سبأ الذين كانوا يسبون الصحابة الكرام، وهم الذين انخرطوا في عسكر الأمير وعدّوا أنفسهم من شيعته خوفاً من عاقبة ما صدر منهم من تلك الجناية العظمى، وبعض منهم تشبثوا بأذيال الأمير طمعاً في المناصب العالية ورفعة المراتب فحصل لهم بذلك مزيد من الأمنية وكمال الطمأنينة، ومع ذلك فقد أظهروا للأمير رضي الله عنه ما انطووا عليه من اللؤم والخبائث فلم يستجيبوا لدعوته وأصروا على مخالفته، وظهرت منهم الخيانة على ما نصبوا عليه، واستطالت أيديهم على عباد الله تعالى وأكل أموالهم، وأطالوا ألسنتهم في الطعن على الصحابة.
وهذه الفرقة هم رؤساء الروافض وأسلافهم ومسلّموا الثبوت عندهم، فإنهم وضعوا بناء دياناتهم وإيمانهم في تلك الطبقة على رواية هؤلاء الفساق المنافقين ومنقولاتهم، فلذا كثرت روايات هذه الفرقة عن الأمير رضي الله عنه بواسطة هؤلاء الرجال.
وقد ذكر المؤرخون سبب دخول أولئك المنافقين في هذا الباب وقالوا إنهم قبل وقوع التحكيم كانوا مغلوبين لكثرة الشيعة الأولى في عسكر الأمير وتغلبهم، ولما وقع التحكيم وحصل اليأس من انتظام أمور الخلافة وكادت المدة المعينة للخلافة تتم وتنقرض وتخلفها نوبة العضوض رجعت الشيعة الأولى من دومة الجندل التي كانت محل التحكيم إلى أوطانهم لحصول اليأس من نصرة الدين وشرعوا بتأييده بترويج أحكام الشريعة والإرشاد ورواية الأحاديث وتفسير القرآن المجيد، كما أن أمير المؤمنين رضي الله عنه دخل الكوفة واشتغل بمثل هذه الأمور، ولم يبق في ركاب أمير المؤمنين إذ ذاك من الشيعة الأولى إلى القليل ممن كانت له دار في الكوفة.
(١) انظر تفصيل ذلك كتاب ((الخليفة المفترى عليه)) صادق عرجون، فإنه - والحق يُقال - أفضل كتاب تناول بالتحليل شخصية أولئك القتلة المجرمين. وكذلك انظر كتابنا ((عثمان رضي الله عنه)) من سلسلة ((شبهات حول الصحابة والرد عليها)).