للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويؤكد المولى الكريم سبحانه على الأخوة الإيمانية بين المؤمنين والتي بها يسد كل باب يؤدي إلى الاختلاف والفرقة ومن خلالها يلتئم شمل الجماعة وتعم الألفة والمحبة فيقول عز من قائل: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات: ١٠] يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي عن قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ يقول: هذا عقد عقده الله بين المؤمنين أنه إذا وجد من أي شخص كان في مشرق الأرض ومغربها الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر إنه أخ للمؤمنين أخوة توجب أن يحب له المؤمنين ما يحبون لأنفسهم ويكرهوا له ما يكرهون لأنفسهم. (١)

وحرصا على هذه الرابطة المهمة بين المسلمين أمر بالإصلاح بين المسلمين لو طرأ على هذه الرابطة ما يوهنها أو يوجب تفرقها لذلك قال: فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ثم يؤكد الله عز وجل رابطة الأخوة الإيمانية السابقة بأن ينهى عن الأسباب التي تؤدي إلى إضعافها من سلوكيات خاطئة تؤثر سلبا على المجتمع المسلم والتي من شأنها أن توغر القلوب وتحرك الضغائن في النفوس فتتفرق القلوب وتهتز هذه الأخوة الإيمانية وتضطرب لذلك قال سبحانه بعد الآية السابقة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [الحجرات:١١ - ١٢] وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا)) (٢)

يقول الحافظ أحمد بن حجر رحمه الله عن قوله: ((وكونوا عباد الله إخوانا)) هذا الجملة تشبه التعليل لما تقدم كأنه قال: إذا تركتم هذه المنهيات كنتم إخوانا، ومفهومه إذا لم تتركوها تصيروا أعداء ومعنى كونوا إخوانا: اكتسبوا ما تصيرون به إخوانا مما سبق ذكره وغير ذلك من الأمور المقتضية لذلك إثباتا ونفيا. وقوله: عباد الله: أي يا عباد الله بحذف حرف النداء وفيه إشارة إلى أنكم عبيد الله فحقكم أن تتواخوا بذلك, قال القرطبي: المعنى كونوا كإخوان النسب في الشفقة والرحمة والمحبة والمواساة والمعاونة والنصيحة (٣)


(١) ([١٠٥]) ((تفسير السعدي)) (٧/ ١٣٣ـ ١٣٤) باختصار يسير.
(٢) ([١٠٦]) رواه البخاري (٦٠٦٦)، ومسلم (٢٥٦٣). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) ((فتح الباري)) (١٠/ ٤٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>