للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد عرضنا للجزء الأول أعتقد أننا لسنا في حاجة إلى أن نطيل الحديث عن الجزء الثاني، ذلك أن هذا الجزء يتحدث في جملته عن الإيمان والكفر، والجزء السابق بين مفهوم الإيمان والكفر عند الكليني، وأمثاله من غلاة الفرقة الضالة وزنادقتهم. كما رأينا في كثير من رواياته، فقد ربط الإيمان والكفر بإمامة الجعفرية الإمامية فالمؤمن بها هو المؤمن، ومنكرها كافر، إلى غير ذلك مما رأينا. فهذا الجزء إذن يعتبر امتدادا للجزء الأول، فيكفي أن نورد بعض الأمثلة لنرى أن الكليني ظل سائرا في نفس الطريق الذي رسمه لنفسه تأثراً بعقيدته في الإمامة. من هذه الأمثلة ما رواه عن أبي جعفر قال: " إن الله تبارك وتعالى حيث خلق ماء عذبا وماء أجاجا فامتزج الماءان، فأخذ طينا من أديم الأرض فعركه عركا شديداً، فقال لأصحاب اليمين وهم كالذر يدبون: إلى الجنة بسلام، وقال لأصحاب الشمال: إلى النار ولا أبالي، ثم قال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا، أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، ثم أخذ الميثاق على النبيين، فقال: ألست بربكم وأن هذا محمد رسولي، وأن هذا علي أمير المؤمنين؟ قالوا: بلى فثبت لهم النبوة. وأخذ الميثاق على أولي العزم أنني ربكم، ومحمد رسولي، وعلي أمير المؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي – عليهم السلام -، وأن المهدي أنتصر به لديني، وأظهر به دولتي، وانتقم به من أعدائي، وأعبد به طوعا وكرها. قالوا: أقررنا يارب وشهدنا. ولم يجحد آدم ولم يقر، فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي، ولم يكن لآدم عزم على الإقرار به وهو قوله عز وجل: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا [طه:١١٥] قال: إنما هو فترك (١). ثم أمر نارا فأججت، فقال لأصحاب الشمال: ادخلوها، فهابوها. وقال لأصحاب اليمين: ادخلوها فدخلوها فكانت عليهم بردا وسلاما. فقال أصحاب الشمال: يارب أقلنا فقال قد أقلتكم اذهبوا فادخلوها فهابوها، ثم ثبتت الطاعة والولاية والمعصية (٢).

وعنه أيضاً قال: " إن الله عز وجل خلق الخلق فخلق من أحب مما أحب، وكان ما أحب أن خلقه من طينة الجنة، وخلق من أبغض مما أبغض وكان ما أبغض أن خلقه من طينة النار. ثم بعثهم في الظلال. فقلت: وأي شيء الظلال؟ فقال: ألم تر إلى ظلك في الشمس شيئا وليس بشيء. ثم بعث منهم النبيين فدعوهم إلى الإقرار بالله عز وجل: وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:٨٧] ثم دعوهم إلى الإقرار بالنبيين فأقر بعضهم وأنكر بعض.

ثم دعوهم إلى ولايتنا، فأقر بها والله من أحب وأنكر من أبغض وهو قوله: فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ [يونس:٧٤]. ثم قال أبو جعفر رضي الله عنه: كان التكذيب ثم (٣).وعنه كذلك قال: " بني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية " (٤).وفي رواية أخرى زاد: فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه، يعنى الولاية (٥).وعن عجلان أبي صالح قال: قلت لأبي عبدالله رضي الله عنه: أوقفني على حدود الإيمان. فقال الخمس وأداء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، وولاية ولينا، وعداوة عدونا، والدخول مع الصادقين " (٦).

وعن زرارة عن أبي جعفر قال: " بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية. قال زرارة: قلت وأي شيء من ذلك أفضل؟ فقال: الولاية أفضل، لأنها مفتاحهن، والوالي هو الدليل عليهن. أما لو أن رجلا قام ليله، وصام نهاره، وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره، ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله جل وعز حق في ثوابه، ولا كان من أهل الإيمان" (٧).والكليني لا يكتفي بربط الإيمان والكفر بالإمامة ولكن يربطهما كذلك بمبادئ الجعفرية، استمع إليه مثلا وهو يروي عن الإمام الصادق: " إن تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له ", " التقية من دين الله "، " والله ما عبدالله بشيء أحب إليه من الخبء. قلت: وما الخبء


(١) جاء في الحاشية: أي معني النسيان هنا الترك، لأن النسيان غير مجوز على الأنبياء عليهم السلام. أو كان في قراءتهم عليهم السلام فترك مكان فنسى، ولعل السر في عدم عزم آدم على الإقرار بالمهدي استبعاده أن يكون لهذا النوع الإنساني اتفاق على أمر واحد " والآية الكريمة في (سورة طه: ١١٥).
(٢) (ص ٨).
(٣) (ص١٠).
(٤) (ص ١٨).
(٥) (ص ١٨).
(٦) (ص١٨).
(٧) (ص ١٨ - ١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>