للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا موقف المعتدلين نسبيا في القديم، أما في الحديث فأكثر شيعة اليوم يتفقون في الظاهر مع جمهور المسلمين في أن القرآن الكريم هو ما بين الدفتين بلا زيادة أو نقصان، ومن شذ برأيه منهم، حتى كاد يخرج عن الإسلام، فلا يعتد به، ولذا قال محمد الحسين آل كاشف الغطاء: يعتقد الشيعة الإمامية " أن الكتاب الموجود في أيدى المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه ـ أي إلى محمد صلى الله عليه وسلم ـ للإعجاز والتحدي، ولتعليم الأحكام، وتمييز الحلال من الحرام، وأنه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة، وعلى هذا إجماعهم، ومن ذهب منهم أو من غيرهم من فرق المسلمين إلى وجود نقص فيه أو تحريف فهو مخطئ بنص الكتاب العظيم إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:٩] والأخبار الواردة من طرقنا أو طرقهم الظاهرة في نقصه أو تحريفه ضعيفة شاذة، وأخبار آحاد، لا تفيد علماً ولا عملاً، فإما أن تؤول بنحو من الاعتبار، أو يضرب بها الجدار " (١).وعندما خرج صاحب (فصل الخطاب) بكتابه تصدى له كثير من علماء الشيعة وسفهوا رأيه، وبينوا خطأ ما جاء به جملة وتفصيلاً. منهم ـ على سبيل المثال ـ السيد أبو القاسم الخوئي مرجعهم السابق بالعراق (٢) والشيخ محمد جواد البلاغي النجفي (٣) والشيخ محمد تقي الحكيم (٤). فلسنا في حاجة إذن إلى ذكر شبهات الضالين، وبيان بطلانها، فقد تكفل إخواننا الجعفرية بهذا، بل إن الإخباريين الذين يرون صحة جميع الأخبار الواردة عن أهل البيت، ولذا ذهبوا إلى القول بالتحريف، وجدنا منهم من ينكر هذا التحريف. قال مرجعهم السابق بالكويت: " مذهبنا ـ ومذهب كل مسلم ـ بأن القرآن الكريم المتداول بين أيدينا ليس فيه أي تحريف بزيادة أو نقصان، وما ذكر في بعض الأحاديث بأن فيه تحريفاً ونقصاناً فهو مخالف لعقيدتنا في القرآن الذي هو الذكر المحفوظ، والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه " (٥).

هذا اتجاه طيب، وهداية مرجوة، فلعل الله عزوجل يهدي باقي إخواننا الجعفرية الصراط المستقيم، وإن كان هؤلاء الذين يمثلون جانب الاعتدال إلى حد ما في المذهب الجعفري عز عليهم أن يكون الغلاة الضالون القائلون بالتحريف جعفريين، ولذا حاولوا إبعاد هذه التهمة عمن له مكانة عالية بينهم، وإلصاقها بجمهور المسلمين! ومن المقطوع به أن جمهور المسلمين ليس منهم من يقول بالتحريف.

فلا نعرف أحداً من جمهور المسلمين يقول بأن الصحابة الكرام أسقطوا شيئاً من القرآن الكريم كما قال غلاة الجعفرية، والجعفرية يدركون هذا تماماً ولذا حاولوا نسبة هذا الجرم الشنيع لغيرهم بقولهم بأن القول بنسخ التلاوة قول بالتحريف، ليصلوا من هذا إلى أن أكثر أهل السنة قائلون بالتحريف!


(١) ((أصل الشيعة وأصولها)) (ص ١٣٣).
(٢) انظر كتابه ((البيان)) (ص ٢١٥ ـ ٢٧٨) وبعد بحثه قال تحت عنوان " النتيجة " (ص ٢٧٨): " ومما ذكرناه: قد تبين للقارئ أن حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال، لا يقول به إلا من ضعف عقله، أو من لم يتأمل في أطرافه حق التأمل، أو من ألجأه إليه بحب القول به، والحب يعمى ويصم، وأما العاقل المنصف المتدبر فلا يشك في بطلانه وخرافته ".
(٣) انظر (مقدمته لتفسير شبر) (ص ١٦: ١٩).
(٤) راجع كتابه ((الأصول العامة للفقه المقارن)) (ص ١٠٧: ١١٧).
(٥) (تعليق على مقال) (ص ١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>