والمسألة التي اشتهر بها الباقلاني وهي أن بطلان الدليل يؤذن ببطلان المدلول لم نجد لها نصاً صريحاً فيما وصل من كتب الباقلاني، ولكن ابن خلدون ذكرها، ثم تناقلها عنه الباحثون، وقد حاول النشار، وتبعه محمد عبد الستار نصار أن يوجدا ما يدعم هذا القول في بعض مقدمات (التمهيد)، والذي يترجح أنها بنيت على قوله بوجوب المعجزات لثبوت نبوة الأنبياء لأن بطلان المعجزة يؤدي إلى بطلان نبوة الأنبياء، أو أنها بنيت على قوله بالجوهر الفرد وأن بطلانه يؤدي إلى بطلان دليل حدوث الأجسام.
ويتضح من خلال عرض عقيدة وأقوال الباقلاني، وأقوال الباحثين في ذلك أن الباقلاني قد طور المذهب الأشعري من خلال:
١ـ الميل في المناقشات إلى العقل، وضعف الاعتماد على النقل، وإن كان الأمر لم يصل إلى إهماله.
٢ـ وضع المقدمات العقلية لمباحث العقيدة وعلم الكلام، مثل مباحث الجوهر والعرض، وأقسام العلوم، والاستدلال، والكلام عن الموجودات وأنواعها.
٣ـ الميل إلى بعض أقوال المعتزلة وخاصة في بعض الصفات، وإذا كان الأشعري أخذ يبعد عن الاعتزال في آخر كتبه، فالباقلاني أعاد المنهج الأشعري ليقرب من أهل الكلام.
٤ـ تقعيد بعض القواعد الكلامية، التي أصبحت فيما بعد أصول الأشاعرة مثل القول بالجوهر الفرد، وأن العرض لا يبقى زمانين، وأنه لا يقول بالعرض.
٥ ـ التركيز على مبدأ إنكار العلة والسببية التي جعلها الله في الأشياء. كذلك القول في مسألة المعجزات والفرق بينها وبين السحر والكرامات والحيل.
المصدر:موقف ابن تيمية من الأشاعرة لعبد الرحمن المحمود – ٢/ ٥٢٦
ابن فورك: ت ٤٠٦ هـ:
هو محمد بن الحسن بن فورك، أبو بكر الأنصاري، الأصبهاني، ولا يعرف تاريخ ولادته، لكن المعروف عنه أنه أقام أولاً بالعراق ودرس بها مذهب الأشعري على أبي الحسن الباهلي - تلميذ أبي الحسن الأشعري، ثم ذهب إلى الري فسعت به الكرامية، ثم راسله أهل نيسابور فبنيت له فيها دار ومدرسة، وصار يدرس فيها وتخرج عليه جمهرة كبيرة من الفقهاء، وقد ذكر قصة له في سبب اشتغاله بعلم الكلام.
وفي آواخر عمره أنهى إلى السلطان محمود بن سبكتكين أنه يعتقد أن نبينا محمداً ليس نبياً اليوم، وأن رسالته انقطعت بموته، وقد امتحن وجرت له مناظرات مع محمود بن سبكتكين، وممن نسب إليه هذا القول ابن حزم حيث قال في الفصل:" حدثت فرقة مبتدعة تزعم أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب (ليس هو الآن رسول الله) ولكنه كان رسول الله، وهذا قول ذهب إليه الأشعرية، وأخبرني سليمان بن خلف الباجي - وهو من مقدميهم اليوم - أن محمد بن الحسن ابن فورك الأصبهاني على هذه المسألة قتله بالسم محمود بن سبكتكين، صاحب ما دون وراء النهر من خراسان - رحمه الله-"، ثم ذكر ابن حزم السبب الذي أدى إلى هذه المقالة، وقد نفى السبكي بشدة نسبة هذه المقالة وشنع على ابن حزم والذهبي بسببها، وقال إن ابن فورك لما سأله ابن سبكتكين كذب الناقل، وإن السلطان عندما وضح له الأمر أمر بإعزازه وإكرامه، فلما أيست الكرامية دست له السم، وقول ابن حزم سبق نقله قريباً وقد نسبه إلى الباجي، أما الذهبي فقال:"ونقل أبو الوليد الباجي أن السلطان محموداً سأله عن رسول الله فقال: كان رسول الله، وأما اليوم فلا، فأمر بقتله بالسم"، وهذه المسألة من المسائل التي كانت سبباً في محنة الأشعرية زمن القشيري والجويني، وقد رد القشيري نسبتها إلى الأشعرية وبين بطلان نسبتها إليهم.