٣ـ يثبت ابن فورك من الصفات الخبرية: الوجه، واليدين، والعين، ويمنع من تأويلها، وينفي عنها أن تكون جارحة أو دالة على تجسيم أو أجزاء، وهذا ما يقوله الباقلاني - إلا أننا نرى ابن فورك يتأول ما عدا هذه الصفات الخبرية، فيتأول ما ورد من اليد، ويمين الرحمن، والكف، والقبضة، والقدم، والأصابع، والساق، ولم يجعلها مع اليدين والوجه والعين نسقاً واحداً في الإثبات مع عدم التمثيل، بل أوّل هذه ومنع تأويل تلك، وكأن ابن فورك شعر بالتناقض هنا فأورد سؤالاً وأجاب عليه حيث قال بعد إثباته صفة الوجه لله تعالى، ورده على المعتزلة الذين يتأولونه بأن معناه: أنه هو، وإن وجه الشيء قد يكون نفسه - قال:"فإن قال قائل: فإنه لا يعقل وجه، الجارحة أو بعض، أو نفس الشيء؟ قيل: في هذا جوابان: أحدهما: أنه إثبات وجه بخلاف معقول الشاهد، كما أن إثبات من أضيف إليه الوجه إثبات موجود بخلاف معقول الشاهد، والثاني: أن الوجه على الحقيقة لا يكون نفس الشيء، لما بينا أن ذلك لا يوجد في اللغة حقيقة أيضاً، وأما إطلاق البعض على الوجه الذي هو جارحة فتوسع عندنا، وإن كان حقيقة أيضاً ... واعلم أن أحد أصولنا في هذا الباب أنه كلما أطلق على الله عز وجل من هذه الأوصاف والأسماء التي قد تجري على الجوارح فينا، فإنما يجري ذلك في وصفه على طريق الصفة، إذا لم يكن وجه آخر يحمل عليه، مما يسوغ فيه التأويل، وذلك لصحة قيام الصفة بذاته، فإن قيامها مما لا يقتضي انتقاض توحيده وخروجه عما يستحقه من القدم والإلهية، فأما وصفه بذلك على الحد الذي يتوهمه المشبهة الممثلة لربها بالخلق في إثبات الجوارح والآلات، فخلاف الدين والتوحيد، وحملها على ما ذهبت إليه المعتزلة فيه إبطال فائدتها، وإخراجها عن كونها معقولة مفيدة على وجه الحق ... "، ثم يورد سؤالاً آخر فيقول:"فإن قيل: فلم لا تقولون على هذا الوصف:
"قدم" صفة و "صورة" صفة، لأن الإضافة قد حصلت في الخبر إليه على هذا الوجه؟ فقيل: "على صورته" وقيل: "قدمه"؟ قيل: إنما لم يحمل ذلك على الصفة لامتناع المعنى فيه، وإن الصفة ليست مما يوصف بالوضع في الأماكن، وقد وجدنا لذلك تأويلاً صحيحاً قريباً، يمنع هذه الشبهة، وهو ما ذكرنا قبل أن قدم المتجبر على الله عز وجل، يضعها على النار على استحقاق العقوبة على عتوه على الله .. وإنما حملنا ما أطلق من ذكر الوجه واليدين والعين على الصفة من حيث لم يوجد في واحد منها ما يستحيل ويمتنع، وليس كل ما أضيف إليه فهو عن طريق الصفة، بل ذلك ينقسم على أقسام: منها بمعنى الملك، ومنها بمعنى الفعل، ومنها بمعنى الصفة، وإنما يكشف الدليل، ويميز القرائن مواقعها على حسب ما بينا ورتبنا، فاعلمه إن شاء الله"، وواضح من منهجه هذا أن الصفة إذا كان لها وجه آخر تحمل عليه وجب حملها، بحيث لا تكون صفة لله تعالى، ومن تأمل تأويلاته لبعض الصفات الخبرية لا يجد بينها وبين تأويلات مخالفي ابن فورك لصفة اليدين والوجه والعين كبير فرق.
٤ـ يؤول ابن فورك صفات النزول، والإتيان، والمجيء، والضحك، والعجب، والغضب، والفرح، وغيرها، وهذا ما نجده مماثلاً له عند الباقلاني، وهذا كله بناءً على أصلهما الذي هو أصل الأشاعرة وهو نفي ما يقوم بالله من الصفات الاختيارية.