للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثاً: أسباب النزول: في ذكرهما لبعض أسباب النزول يبدو أثر الإمامة واضحاً، فمثلاً عند قوله تعالى: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ [الزخرف:٥٧] (١)، يذكر الطوسي سبب النزول فيقول: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوماً لعلي: " لولا إني أخاف أن يقال فيك ما قالت النصارى في عيسى لقلت فيك قولاً لا تمر بملأ إلاَّ أخذوا التراب من تحت قدميك، أنكر ذلك جماعة من المنافقين وقالوا: لم يرض أن يضرب له مثلاً إلاَّ بالمسيح، فأنزل الله الآية " (٢) أما الطبرسي فيذكر سبباً آخر، قال: " المروي عن أهل البيت أن أمير المؤمنين قال: جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فوجدته في ملأ من قريش، فنظر إلي ثم قال: يا علي، إنما مثلك في هذه الأمة مثل عيسى ابن مريم، أحبه قوم وأفرطوا في حبه فهلكوا، وأبغضه قوم وأفرطوا في بغضه فهلكوا، واقتصد فيه قوم فنجوا، فعظم ذلك عليهم وضحكوا، فنزلت الآية " (٣) وفي سورة النحل: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [النحل: ٩١] قال الطبرسي بأن الإمام الصادق قال: " نزلت هذه الآية في ولاية علي والبيعة له حين قال النبي صلى الله عليه وسلم سلموا على علي بإمرة المؤمنين (٤) وفي سورة القلم قال الطبرسي: " لما رأت قريش تقديم النبي صلى الله عليه وسلم علياً قالوا: افتتن به محمد صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: ن وَالْقَلَمِ إلى قوله: بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ، وهم النفر الذين قالوا ما قالوا، وَهُوَ أَعلَمُ بِالْمُهْتَدِين [القلم:١ - ٧] علي بن أبي طالب " (٥) وسورة عبس سبب نزولها معروف مشهور، ولكن الطوسي يرفض ما ذكره المفسرون (٦)،ويذهب إلى أنها " نزلت في رجل من بني أمية كان واقفاً مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أقبل ابن مكتوم تنفر منه وجمع نفسه وعبس في وجهه، وأعرض بوجهه عنه، فحكى الله تعالى ذلك وأنكر معاقبة على ذلك " (٧) وإذا وجدنا بين أسباب النزول ما يتصل بالإمام علي وبيعته، وهو لم يصح من طريق، ويقطع برفضه كون النزول في مكة، وسياق الآيات الكريمة كذلك، إلاَّ أنا نجد الأمر يختلف بالنسبة لغير أبي الحسن، مثال هذا ما جاء في سورة الليل: فالطبرسى يورد رواية تبين أن أبا الدحداح هو المراد من قوله تعالى: فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى [الليل:٥] ثم يقول ... " وعن ابن الزبير قال: إن الآية نزلت في أبي بكر، لأنه اشترى المماليك الذين أسلموا مثل بلال وعامر بن فهيرة وغيرهما، وأعتقهم، والأولى أن تكون الآيات محمولة على عمومها في كل من يعطي حق الله من ماله " (٨)


(١) (٥٧: الزخرف)، والسورة الكريمة مكية، فكيف غاب هذا عن الطوسي وهو يذكر هذه الرواية، ويتحدث عن المنافقين! أوجدت جماعات المنافقين في العهد المكى!!
(٢) ((التبيان)) (٩/ ٢٠٩ –٢١٠).
(٣) ((جوامع الجامع)) (ص ٤٣٦)، وانظر ((مجمع البيان)) (٩/ ٥٣).
(٤) ((جوامع الجامع)) (ص ٢٤٩)، وسورة النحل نزلت في العهد المكى كذلك، والبيعة المزعومة قالوا إنها كانت بعد حجة الوداع!
(٥) ((جوامع الجامع)) (ص ٥٠٤)، وسورة القلم ليست مكية فحسب، بل من أوائل ما نزل، فهى بعد العلق: أول سور القرآن الكريم نزولاً، وقت أن كان على بن أبي طالب – رضي الله تعالى عنه – صبياً!
(٦) انظر ((التبيان)) (١٠/ ٢٦٨).
(٧) ((التبيان)) (١٠/ ٢٦٩).
(٨) انظر ((مجمع البيان)) (١٠/ ٥٠١ - ٥٠٢) ..

<<  <  ج: ص:  >  >>