كما ذكر الله عز وجل خروج نبيه من مكة وهجرته منها مع ذكر خروج أصحابه وهجرتهم حيث قال: يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ [الممتحنة:١] , كما ذكر صديقه ورفيقه في الغار: إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ [التوبة:٤٠] , ويقول في أزواجه المطهرات: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:٦] , ويقول: يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء [الأحزاب:٣٢]
وغير ذلك من الآيات الكثيرة الكثيرة.
فلنرى الشيعة الزاعمين اتباع أهل البيت، المدّعين موالاتهم وحبهم، ونرى أئمتهم المعصومين - حسب قولهم - آل البيت ماذا يقولون في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وماذا يعتقدون فيهم؟
وهل أهل بيت النبي يبغضون أصحاب نبيهم، ويشتمونهم، بل ويكفرونهم، ويلعنونهم كما يلعنهم هؤلاء المتزعمون؟ أم يوالونهم، ويتواددون إليهم، ويتعاطفونهم ويساعدونهم في مشاكلهم، ويشاورونهم في أمورهم، ويقاسمونهم همومهم وآلامهم، ويشاركونهم في دينهم ودنياهم، ويشاطرونهم الحكم والحكومة، ويبايعونهم على إمرتهم وسلطانهم، ويجاهدون تحت رايتهم، ويأخذون من الغنائم التي تحصل من طريقهم، ويتصاهرون معهم، يتزوجون منهم ويزوجونهم منهم، يسمون أبناءهم بأسمائهم، يذاكرونهم في مجالسهم، ويرجعون إليهم في مسائلهم، ويذكرون فضائلهم ومحامدهم، ويقرّون بفضل أهل الفضل منهم، وعلم أهل العلم، وتقوى المتقين، وطهارة العامة وزهدهم.
نسرد هذا كله وقد عاهدنا أن لا نرجع إلا إلى كتب القوم أنفسهم لعل الحق يظهر، والصدق يجلو، والباطل يكبو، والكذب يخبو، اللهم إلا نادراً نذكر شيئاً تأييداً واستشهاداً، لا أصلاً، ولا استدلالاً، ولا استقلالاً، ولا يكون إلزام الخصم إلا من كتبهم هم، وبعباراتهم أنفسهم، ومن أفواه أناس يزعمونهم أئمتهم، وهم منهم براء وقد قيل قديماً: إن السحر ما يقرّبه المسحور. والحق ما يشهد به المنكر، وما نريد من وراء ذلك إلا الإظهار بأن أئمة الحق وأهل البيت ليسوا مع القوم في القليل ولا في الكثير، ولعل الله يهدي به أناساً اغتروا بحب أهل البيت حيث ظنوا أن معتقدات الشيعة وضعها أئمة أهل البيت، وأسسوا قواعدها، ورسخوا أصولها، فهم يحبونهم، ويبغضون أعداءهم - حسب زعمهم - الذين غصبوا حقهم وحرموهم من ميراث النبي، وظلموهم.
ويتبين إن شاء الله علاقة الشيعية الحقيقية بآل البيت وعلاقتهم معهم.
فها هو علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - الخليفة الراشد الرابع عندنا، والإمام المعصوم الأول عندهم، وسيد أهل البيت - يذكر أصحاب النبي عامة، ويمدحهم، ويثني عليهم ثناء عاطراً بقوله: لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فما أرى أحداً يشبههم منكم! لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، وقد باتوا سجداً وقياماً، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم! كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم! إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف، خوفاً من العقاب، ورجاء للثواب" (نهج البلاغة)(ص١٤٣) دار الكتاب بيروت ١٣٨٧هـ بتحقيق صبحي صالح، ومثل ذلك ورد في (الإرشاد) ص١٢٦).